قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=28908وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ( 11 ) ) .
قوله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11وإذا قيل لهم ) : إذا في موضع نصب على الظرف ، والعامل فيها جوابها ، وهو قوله : قالوا ، وقال قوم : العامل فيها قيل ، وهو خطأ ; لأنه في موضع جر بإضافة إذا إليه ، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف ، وأصل قيل قول ، فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت ، وكسرت القاف لتنقلب الواو ياء ، كما فعلوا في أدل وأحق ، ومنهم من يقول نقلوا كسرة الواو إلى القاف ، وهذا ضعيف ; لأنك لا تنقل إليها الحركة إلا بعد تقدير سكونها ، فيحتاج في هذا إلى حذف ضمة القاف ، وهذا عمل كثير .
[ ص: 30 ] ويجوز إشمام القاف بالضمة مع بقاء الياء ساكنة تنبيها على الأصل .
ومن العرب من يقول في مثل قيل وبيع : قول وبوع ، ويسوي بين ذوات الواو والياء ، قالوا : وتخرج على أصلها ، وما هو من الياء تقلب فيه واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، ولا يقرأ بذلك ما لم تثبت به رواية ، والمفعول القائم مقام الفاعل مصدر ، وهو القول ، وأضمر ; لأن الجملة بعده تفسره والتقدير : وإذا قيل لهم قول هو لا تفسدوا . ونظيره (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=35ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه ) [ يوسف : 35 ] ; أي بدا لهم بداء ورأي . وقيل : ( لهم ) هو القائم مقام الفاعل ; لأن الكلام لا يتم به ، وما هو تفسره الجملة بعده .
ولا يجوز أن يكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11لا تفسدوا ) قائما مقام الفاعل ; لأن الجملة لا تكون فاعلا ، فلا تقوم مقام الفاعل ، ولهم في موضع نصب مفعول قيل .
قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11في الأرض ) الهمزة في الأرض أصل ; وأصل الكلمة من الاتساع ، ومنه قولهم : أرضت القرحة إذا اتسعت . وقول من قال : سميت أرضا ، لأن الأقدام ترضها ليس بشيء ; لأن الهمزة فيها أصل ، والرض ليس من هذا .
ولا يجوز أن يكون في الأرض حالا من الضمير في تفسدوا ; لأن ذلك لا يفيد شيئا ، وإنما هو ظرف متعلق بـ ( تفسدوا ) .
قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11إنما نحن ) ( ( ما ) ) ههنا كافة لإن عن العمل لأنها هيأتها للدخول على الاسم تارة وعلى الفعل أخرى وهي إنما عملت لاختصاصها بالاسم .
وتفيد ( إنما ) حصر الخبر فيما أسند إليه الخبر ، كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إنما الله إله واحد ) [ النساء : 171 ] وتفيد في بعض المواضع اختصاص المذكور بالوصف المذكور دون غيره ، كقولك ( ( إنما زيد كريم ) ) ; أي ليس فيه من الأوصاف التي تنسب إليه سوى الكرم ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=110إنما أنا بشر مثلكم ) [ الكهف : 110 ] ; لأنهم طلبوا منه ما لا يقدر عليه البشر ; فأثبت لنفسه صفة البشر ، ونفى عنه ما عداها
[ ص: 31 ] قوله : نحن : هو اسم مضمر منفصل مبني على الضم . وإنما بنيت الضمائر لافتقارها إلى الظواهر التي ترجع إليها ، فهي كالحروف في افتقارها إلى الأسماء ، وحرك آخرها لئلا يجتمع ساكنان ، وضمت النون ; لأن الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم فأشبهت التاء في قمت . وقيل ضمت لأن موضعها رفع ، وقيل النون تشبه الواو فحركت بما يجانس الواو ، ونحن ضمير المتكلم ومن معه ، وتكون للاثنين والجماعة ، ويستعمله المتكلم الواحد العظيم ، وهو في موضع رفع بالابتداء و : ( مصلحون ) خبره .
قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12nindex.php?page=treesubj&link=28908ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ( 12 ) ) .
قوله تعالى : ( ألا ) : هي حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب .
وقيل معناها : حقا ، وجوز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا ، وهو في غاية البعد .
قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12هم المفسدون ) هم مبتدأ ، والمفسدون خبره ، والجملة خبر إن ، ويجوز أن تكون هم في موضع نصب توكيدا لاسم إن .
ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها ; لأن الخبر هنا معرفة ، ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة ، فيعين ما بعده للخبر .
قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=28908وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ( 11 ) ) .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ) : إِذَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِ ، وَالْعَامِلُ فِيهَا جَوَابُهَا ، وَهُوَ قَوْلُهُ : قَالُوا ، وَقَالَ قَوْمٌ : الْعَامِلُ فِيهَا قِيلَ ، وَهُوَ خَطَأٌ ; لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِإِضَافَةِ إِذَا إِلَيْهِ ، وَالْمُضَافُ إِلَيْهِ لَا يَعْمَلُ فِي الْمُضَافِ ، وَأَصْلُ قِيلَ قُوِلَ ، فَاسْتُثْقِلَتِ الْكَسْرَةُ عَلَى الْوَاوِ فَحُذِفَتْ ، وَكُسِرَتِ الْقَافُ لِتَنْقَلِبَ الْوَاوُ يَاءً ، كَمَا فَعَلُوا فِي أَدَلَّ وَأَحَقَّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ نَقَلُوا كَسْرَةَ الْوَاوِ إِلَى الْقَافِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ; لِأَنَّكَ لَا تَنْقُلُ إِلَيْهَا الْحَرَكَةَ إِلَّا بَعْدَ تَقْدِيرِ سُكُونِهَا ، فَيُحْتَاجُ فِي هَذَا إِلَى حَذْفِ ضَمَّةِ الْقَافِ ، وَهَذَا عَمَلٌ كَثِيرٌ .
[ ص: 30 ] وَيَجُوزُ إِشْمَامُ الْقَافِ بِالضَّمَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْيَاءِ سَاكِنَةً تَنْبِيهًا عَلَى الْأَصْلِ .
وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ فِي مِثْلِ قِيلَ وَبِيعَ : قُولَ وَبُوعَ ، وَيُسَوِّي بَيْنَ ذَوَاتِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ ، قَالُوا : وَتُخَرَّجُ عَلَى أَصْلِهَا ، وَمَا هُوَ مِنَ الْيَاءِ تُقْلَبُ فِيهِ وَاوًا لِسُكُونِهَا وَانْضِمَامِ مَا قَبْلَهَا ، وَلَا يُقْرَأُ بِذَلِكَ مَا لَمْ تَثْبُتْ بِهِ رِوَايَةٌ ، وَالْمَفْعُولُ الْقَائِمُ مَقَامَ الْفَاعِلِ مَصْدَرٌ ، وَهُوَ الْقَوْلُ ، وَأُضْمِرَ ; لِأَنَّ الْجُمْلَةَ بَعْدَهُ تُفَسِّرُهُ وَالتَّقْدِيرُ : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ قَوْلٌ هُوَ لَا تُفْسِدُوا . وَنَظِيرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=35ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ ) [ يُوسُفَ : 35 ] ; أَيْ بَدَا لَهُمْ بُدَاءٌ وَرَأْيٌ . وَقِيلَ : ( لَهُمْ ) هُوَ الْقَائِمُ مَقَامَ الْفَاعِلِ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يَتِمُّ بِهِ ، وَمَا هُوَ تُفَسِّرُهُ الْجُمْلَةُ بَعْدَهُ .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11لَا تُفْسِدُوا ) قَائِمًا مَقَامَ الْفَاعِلِ ; لِأَنَّ الْجُمْلَةَ لَا تَكُونُ فَاعِلًا ، فَلَا تَقُومُ مَقَامَ الْفَاعِلِ ، وَلَهُمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ مَفْعُولُ قِيلَ .
قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11فِي الْأَرْضِ ) الْهَمْزَةُ فِي الْأَرْضِ أَصْلٌ ; وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ الِاتِّسَاعِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : أَرْضَتِ الْقُرْحَةُ إِذَا اتَّسَعَتْ . وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : سُمِّيَتْ أَرْضًا ، لِأَنَّ الْأَقْدَامَ تَرُضُّهَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ الْهَمْزَةَ فِيهَا أَصْلٌ ، وَالرَّضُّ لَيْسَ مِنْ هَذَا .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي تُفْسِدُوا ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا هُوَ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِـ ( تُفْسِدُوا ) .
قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11إِنَّمَا نَحْنُ ) ( ( مَا ) ) هَهُنَا كَافَّةٌ لِإِنَّ عَنِ الْعَمَلِ لِأَنَّهَا هَيَّأَتْهَا لِلدُّخُولِ عَلَى الِاسْمِ تَارَةً وَعَلَى الْفِعْلِ أُخْرَى وَهِيَ إِنَّمَا عَمِلَتْ لِاخْتِصَاصِهَا بِالِاسْمِ .
وَتُفِيدُ ( إِنَّمَا ) حَصْرَ الْخَبَرِ فِيمَا أُسْنِدَ إِلَيْهِ الْخَبَرُ ، كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) [ النِّسَاءِ : 171 ] وَتُفِيدُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ اخْتِصَاصَ الْمَذْكُورِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ دُونَ غَيْرِهِ ، كَقَوْلِكَ ( ( إِنَّمَا زَيْدٌ كَرِيمٌ ) ) ; أَيْ لَيْسَ فِيهِ مِنَ الْأَوْصَافِ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ سِوَى الْكَرَمِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=110إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) [ الْكَهْفِ : 110 ] ; لِأَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْبَشَرُ ; فَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ صِفَةَ الْبَشَرِ ، وَنَفَى عَنْهُ مَا عَدَاهَا
[ ص: 31 ] قَوْلُهُ : نَحْنُ : هُوَ اسْمٌ مُضْمَرٌ مُنْفَصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ . وَإِنَّمَا بُنِيَتِ الضَّمَائِرُ لِافْتِقَارِهَا إِلَى الظَّوَاهِرِ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَيْهَا ، فَهِيَ كَالْحُرُوفِ فِي افْتِقَارِهَا إِلَى الْأَسْمَاءِ ، وَحُرِّكَ آخِرُهَا لِئَلَّا يَجْتَمِعَ سَاكِنَانِ ، وَضُمَّتِ النُّونُ ; لِأَنَّ الْكَلِمَةَ ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ لِلْمُتَكَلِّمِ فَأَشْبَهَتِ التَّاءَ فِي قُمْتُ . وَقِيلَ ضُمَّتْ لِأَنَّ مَوْضِعَهَا رَفْعٌ ، وَقِيلَ النُّونُ تُشْبِهُ الْوَاوَ فَحُرِّكَتْ بِمَا يُجَانِسُ الْوَاوَ ، وَنَحْنُ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ وَمَنْ مَعَهُ ، وَتَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَيَسْتَعْمِلُهُ الْمُتَكَلِّمُ الْوَاحِدُ الْعَظِيمُ ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَ : ( مُصْلِحُونَ ) خَبَرُهُ .
قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12nindex.php?page=treesubj&link=28908أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ( 12 ) ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَلَا ) : هِيَ حَرْفٌ يُفْتَتَحُ بِهِ الْكَلَامُ لِتَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ .
وَقِيلَ مَعْنَاهَا : حَقًّا ، وَجَوَّزَ هَذَا الْقَائِلُ أَنْ تُفْتَحَ أَنَّ بَعْدَهَا كَمَا تُفْتَحُ بَعْدَ حَقًّا ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ .
قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12هُمُ الْمُفْسِدُونَ ) هُمْ مُبْتَدَأٌ ، وَالْمُفْسِدُونَ خَبَرُهُ ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنَّ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هُمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ تَوْكِيدًا لِاسْمِ إِنَّ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَصْلًا لَا مَوْضِعَ لَهَا ; لِأَنَّ الْخَبَرَ هُنَا مُعْرِفَةٌ ، وَمِثْلُ هَذَا الضَّمِيرِ يَفْصِلُ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالصِّفَةِ ، فَيُعَيِّنُ مَا بَعْدَهُ لِلْخَبَرِ .