قال تعالى : ( فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ) ( 108 ) .
قوله تعالى : ( من دون الله ) : حال من " الذين " أو من العائد عليها .
( فيسبوا ) : منصوب على جواب النهي ، وقيل : هو مجزوم على العطف ، كقولهم : لا تمددها فتشققها .
و ( عدوا ) : بفتح العين وتخفيف الدال ، وهو مصدر ، وفي انتصابه ثلاثة أوجه : أحدها : هو مفعول له . والثاني : مصدر من غير لفظ الفعل ؛ لأن السب عدوان في المعنى .
والثالث : هو مصدر في موضع الحال ، وهي حال مؤكدة ، ويقرأ بضم العين والدال وتشديد الواو ، وهو مصدر على فعول كالجلوس والقعود ، ويقرأ بفتح العين ، والتشديد ، وهو واحد في معنى الجمع ؛ أي : أعداء ، وهو حال .
: ( بغير علم ) : حال أيضا مؤكدة . ( كذلك ) : في موضع نصب صفة لمصدر محذوف ؛ أي : كما زينا لكل أمة عملهم زينا لهؤلاء عملهم .
قال تعالى : ( قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها ) ( 109 ) .
قوله تعالى : ( جهد أيمانهم ) : قد ذكر في المائدة .
( وما يشعركم ) : " ما " استفهام في موضع رفع بالابتداء ، ويشعركم الخبر ، وهو يتعدى إلى مفعولين .
( أنها ) : يقرأ بالكسر على الاستئناف ، والمفعول الثاني محذوف .
[ ص: 396 ] تقديره : وما يشعركم إيمانهم . ويقرأ بالفتح وفيه ثلاثة أوجه : أحدها أن " أن " بمعنى " لعل " حكاه الخليل عن العرب ، وعلى هذا يكون المفعول الثاني أيضا محذوفا .
والثاني : أن " لا " زائدة ، فتكون " أن " وما عملت فيه في موضع المفعول الثاني .
والثالث : أن " أن " على بابها ، و " لا " غير زائدة ، والمعنى وما يدريكم عدم إيمانهم ، وهذا جواب لمن حكم عليهم بالكفر أبدا ، ويئس من إيمانهم ، والتقدير : لا يؤمنون بها ، فحذف المفعول .
قال تعالى : ( ونذرهم في طغيانهم يعمهون ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ) ( 110 ) .
قوله تعالى : ( كما لم يؤمنوا ) : " ما " مصدرية ، والكاف نعت لمصدر محذوف ؛ أي : تقليبا ككفرهم ؛ أي : عقوبة مساوية لمعصيتهم .
و ( أول مرة ) : ظرف زمان ؛ وقد ذكر . ( ونذرهم ) : يقرأ بالنون وضم الراء وبالياء كذلك ، والمعنى مفهوم .
ويقرأ بسكون الراء وفيه وجهان : أحدهما : أنه سكن لثقل توالي الحركات .
والثاني : أنه مجزوم عطفا على يؤمنوا ، والمعنى جزاء على كفرهم ، وأنه لم يذرهم في طغيانهم يعمهون بل بين لهم .
قال تعالى : ( وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى ) ( 111 ) .
قوله تعالى : ( قبلا ) : يقرأ بضم القاف والباء وفيه وجهان : أحدهما : هو جمع قبيل مثل قليب وقلب . والثاني : أنه مفرد كقبل الإنسان ودبره ، وعلى كلا الوجهين هو حال من " كل " ، وجاز ذلك ، وإن كان نكرة لما فيه من العموم .
[ ص: 397 ] ويقرأ بالضم وسكون الباء على تخفيف الضمة .
ويقرأ بكسر القاف وفتح الباء ، وفيه وجهان أيضا : أحدهما : هو ظرف ، كقولك لي قبله حق . والثاني : مصدر في موضع الحال ؛ أي : عيانا أو معاينة .
( إلا أن يشاء الله ) : في موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، وقيل : هو متصل ، والمعنى : ما كانوا ليؤمنوا في كل حال إلا في حال مشيئة الله تعالى .
قال تعالى : ( يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ) ( 112 ) .
قوله تعالى : ( وكذلك ) : هو نعت لمصدر محذوف كما ذكرنا في غير موضع .
و ( جعلنا ) : متعدية إلى مفعولين . وفي المفعول الأول وجهان : أحدهما : هو " عدوا " . والثاني : " لكل نبي " و " شياطين " بدل من عدو .
والثاني : المفعول الأول شياطين ، وعدوا المفعول الثاني مقدم ، ولكل نبي صفة لعدو ، قدمت فصارت حالا .
( يوحي ) : يجوز أن يكون حالا من شياطين ، وأن يكون صلة لعدو ، وعدو في موضع أعداء . ( غرورا ) : مفعول له ، وقيل : مصدر في موضع الحال ، والهاء في ( فعلوه ) : يجوز أن تكون ضمير الإيحاء ، وقد دل عليه يوحى ، وأن تكون ضمير الزخرف أو القول أو الغرور .
( وما يفترون ) : " ما " بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ، أو مصدرية ، وهي في موضع نصب عطفا على المفعول قبلها ، ويجوز أن تكون الواو بمعنى " مع " .