قال تعالى : ( التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار ( 24 ) ) .
قوله تعالى : ( فإن لم تفعلوا ) : الجزم بلم لا بإن لأن ( ( لم ) ) عامل شديد الاتصال بمعموله ، ولم يقع إلا مع الفعل المستقبل في اللفظ ، وإن قد دخلت على الماضي في اللفظ ، وقد وليها الاسم كقوله تعالى : ( وإن أحد من المشركين ) [ التوبة : 6 ] .
[ ص: 40 ] ( وقودها الناس ) : الجمهور على فتح الواو وهو الحطب ، وقرئ بالضم ، وهو لغة في الحطب ; والجيد أن يكون مصدرا بمعنى التوقد ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره : توقدها احتراق الناس ، أو تلهب الناس ، أو ذو وقودها الناس .
( أعدت ) : جملة في موضع الحال من النار ; والعامل فيها فاتقوا .
ولا يجوز أن يكون حالا من الضمير في " وقودها " لثلاثة أشياء : أحدها أنها مضاف إليها . والثاني : أن الحطب لا يعمل في الحال . والثالث : أنك تفصل بين المصدر أو ما عمل عمله وبين ما يعمل فيه بالخبر ، وهو الناس .
قال تعالى : ( تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات ( 25 ) ) .
قوله تعالى : ( أن لهم جنات ) : فتحت ( أن ) هاهنا ; لأن التقدير بأن لهم ، وموضع أن وما عملت فيه نصب ببشر ; لأن حرف الجر إذا حذف وصل الفعل بنفسه . هذا مذهب . سيبويه
وأجاز الخليل أن يكون في موضع جر بالباء المحذوفة ; لأنه موضع تزاد فيه فكأنها ملفوظ بها ، ولا يجوز ذلك مع غير أن ، لو قلت بشره بأنه مخلد في الجنة جاز حذف الباء ; لطول الكلام ، ولو قلت بشره الخلود لم يجز ; وهذا أصل يتكرر في القرآن كثيرا ; فتأمله واطلبه هاهنا . ( تجري من تحتها الأنهار ) : الجملة في موضع نصب صفة للجنات ، والأنهار مرفوعة بـ ( تجري ) لا بالابتداء ، ومن تحتها الخبر ، ولا بتحتها ; لأن تجري لا ضمير فيه ; إذ كانت الجنات لا تجري ، وإنما تجري أنهارها ، والتقدير من تحت شجرها ، لا من تحت أرضها ، فحذف المضاف . ولو قيل : إن الجنة هي الشجر ، فلا يكون في الكلام حذف لكان وجها .
( كلما رزقوا منها . . . ) : إلى قوله ( من قبل ) في موضع نصب على الحال من الذين آمنوا ، تقديره : مرزوقين على الدوام ، ويجوز أن يكون حالا من الجنات ; لأنها قد وصفت وفي الجملة ضمير يعود إليها ، وهو قوله : منها ( رزقنا من قبل ) : أي رزقنا ، فحذف العائد . وبنيت قبل لقطعها عن الإضافة ; لأن التقدير من قبل هذا .
[ ص: 41 ] ( وأتوا به ) : يجوز أن يكون حالا ، وقد معه مرادة تقديره قالوا ذلك وقد أتوا به . ويجوز أن يكون مستأنفا . و ( متشابها ) : حال من الهاء في به . ( ولهم فيها أزواج ) : أزواج مبتدأ ، ولهم الخبر وفيها ظرف للاستقرار ، ولا يكون فيها الخبر ; لأن الفائدة تقل إذ الفائدة في جعل الأزواج لهم ، و ( فيها الثانية تتعلق بـ " خالدون " . وهاتان الجملتان مستأنفتان . ويجوز أن تكون الثانية حالا من الهاء والميم في لهم ، والعامل فيها معنى الاستقرار .
قال تعالى : ( فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ( 26 ) ) .
قوله تعالى : ( لا يستحيي ) : وزنه يستفعل ، ولم يستعمل منه فعل بغير السين ، وليس معناه الاستدعاء ، وعينه ولامه ياءان ، وأصله الحياء ، وهمزة الحياء بدل من الياء .
وقرئ في الشاذ يستحي ، بياء واحدة ، والمحذوفة هي اللام كما تحذف في الجزم ، ووزنه على هذا يستفع ، إلا أن الياء نقلت حركتها إلى العين ، وسكنت ، وقيل المحذوف هي العين ، وهو بعيد . ( أن يضرب ) : أي من أن يضرب ; فموضعه نصب عند ، وجر عند سيبويه الخليل .
( ما ) : حرف زائد للتوكيد . و " بعوضة " بدل من مثلا .
وقيل : ( ما ) : نكرة موصوفة ، وبعوضة بدل من ما .
ويقرأ شاذا بعوضة بالرفع على أن تجعل ما بمعنى الذي ويحذف المبتدأ ; أي الذي هو بعوضة ، ويجوز أن يكون ما حرفا ويضمر المبتدأ تقديره مثلا هو بعوضة . ( فما فوقها ) : الفاء للعطف ، وما نكرة موصوفة أو بمنزلة الذي ، والعامل في فوق على الوجهين الاستقرار والمعطوف عليه بعوضة .
( أما ) : حرف ناب عن حرف الشرط وفعل الشرط ، ويذكر لتفصيل ما أجمل ويقع الاسم بعده مبتدأ ، وتلزم الفاء خبره ، والأصل مهما يكن من شيء فالذين آمنوا يعلمون ، لكن لما نابت أما عن حرف الشرط كرهوا أن يولوها الفاء ، فأخروها إلى الخبر ، وصار ذكر المبتدأ بعدها عوضا من اللفظ بفعل الشرط . ( من ربهم ) : في موضع نصب على الحال . والتقدير : أنه ثابت أو مستقر من ربهم ، والعامل معنى الحق ; وصاحب الحال الضمير المستتر [ ص: 42 ] فيه . ( ماذا ) : فيه قولان : أحدهما : أن " ما " اسم للاستفهام ، موضعها رفع بالابتداء ، وذا بمعنى الذي و : أراد صلة له ، والعائد محذوف ، والذي وصلته خبر المبتدأ . والثاني : أن ما ، وذا اسم واحد للاستفهام ، وموضعه نصب بـ ( أراد ) ، ولا ضمير في الفعل ، والتقدير : أي شيء أراد الله . ( مثلا ) : تمييز ; أي من مثل ، ويجوز أن يكون حالا من هذا ; أي متمثلا ، أو متمثلا به ; فيكون حالا من اسم الله . ( يضل ) : يجوز أن يكون في موضع نصب صفة للمثل ، ويجوز أن يكون حالا من اسم الله ، ويجوز أن يكون مستأنفا . ( إلا الفاسقين ) : مفعول يضل ، وليس بمنصوب على الاستثناء ; لأن يضل لم يستوف مفعوله قبل إلا .