قال تعالى : ( حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا ) ( ( 35 ) ) .
قوله تعالى : ( اسكن أنت وزوجك ) : أنت توكيد للضمير في الفعل أتى به ليصح العطف عليه والأصل في : كل أأكل مثل اقتل إلا أن العرب حذفت الهمزة الثانية تخفيفا ، ومثله خذ ولا يقاس عليه ، فلا تقول في الأمر من أجر يأجر جر . وحكى أوكل شاذا . ( منها ) : أي من ثمرتها ; فحذف المضاف وموضعه نصب بالفعل قبله ومن لابتداء الغاية . سيبويه
و ( رغدا ) : صفة مصدر محذوف ; أي أكلا رغدا ; أي طيبا هنيئا .
ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال ، تقديره كلا مستطيبين متهنئين .
( حيث ) : ظرف مكان ، والعامل فيه كلا . ويجوز أن يكون بدلا من الجنة ، فيكون حيث مفعولا به ; لأن الجنة مفعول ، وليس بظرف ; لأنك تقول سكنت البصرة وسكنت الدار بمعنى نزلت ، فهو كقولك انزل من الدار حيث شئت . ( هذه الشجرة ) : الهاء بدل من الياء في هذي ; لأنك تقول في المؤنث هذي وهاتا وهاتي والياء للمؤنث مع [ ص: 49 ] الذال لا غير ، والهاء بدل منها ; لأنها تشبهها في الخفاء والشجرة نعت لهذه . وقرئ في الشاذ : " هذه الشيرة " وهي لغة أبدلت الجيم فيها ياء لقربها منها في المخرج .
( فتكونا ) : جواب النهي لأن التقدير : إن تقربا تكونا وحذف النون هنا علامة النصب ; جواب النهي إذا كان بالفاء فهو منصوب ، ويجوز أن يكون مجزوما بالعطف .
قال تعالى : ( وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه ( 36 ) ) .
قوله تعالى : ( فأزلهما ) : يقرأ بتشديد اللام من غير ألف ; أي حملهما على الزلة ; ويقرأ : فأزالهما أي نحاهما ، وهو من قولك : زال الشيء يزول ، إذا فارق موضعه ، وأزلته نحيته ، وألفه منقلبة عن واو .
( مما كانا فيه ) : ما بمعنى الذي ، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة أي من نعيم أو عيش : اهبطوا ، الجمهور على كسر الباء وهي اللغة الفصيحة ، وقرئ بضمها ، وهي لغة . ( بعضكم لبعض عدو ) : جملة في موضع الحال من الواو في اهبطوا ; أي اهبطوا متعادين واللام متعلقة بعدو ; لأن التقدير بعضكم عدو لبعض ويعمل عدو عمل الفعل لكن بحذف الجر ويجوز أن يكون صفة لعدو ; فلما تقدم عليه صار حالا .
ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة ، وأما إفراد عدو فيحتمل أن يكون لما كان بعضكم مفردا في اللفظ ، أفرد عدو ، ويحتمل أن يكون وضع الواحد موضع الجمع كما قال : ( فإنهم عدو لي ) : [ الشعراء : 77 ] .
( ولكم في الأرض مستقر ) : يجوز أن يكون مستأنفا ، ويجوز أن يكون حالا أيضا ، وتقديره اهبطوا متعادين مستحقين الاستقرار .
و ( مستقر ) : يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الاستقرار ، ويجوز أن يكون مكان الاستقرار . و ( إلى حين ) : يجوز أن يكون في موضع رفع صفة لمتاع ; فيتعلق بمحذوف ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمتاع لأنه في حكم المصدر ; والتقدير : وأن تمتعوا إلى حين .
قال تعالى : ( فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم فتلقى آدم من ربه كلمات ( 37 ) ) .
قوله تعالى : ( فتلقى آدم ) : يقرأ برفع آدم ونصب كلمات ، وبالعكس ; لأن كل ما تلقاك فقد تلقيته . و ( من ربه ) : يجوز أن يكون في موضع نصب بتلقى . ويكون لابتداء الغاية .
[ ص: 50 ] ويجوز أن يكون في موضع نصب صفة لكلمات ، تقديره : كلمات كائنة من ربه ، فلما قدمها انتصبت على الحال .
( إنه هو التواب ) : هو هاهنا مثل أنت في : ( إنك أنت العليم الحكيم ) وقد ذكر .
قال تعالى : ( فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون قلنا اهبطوا منها جميعا ( 38 ) ) .
قوله : ( منها جميعا ) : حال ; أي مجتمعين ، إما في زمن واحد ، أو في أزمنة ، بحيث يشتركون في الهبوط . ( فإما ) : إن حرف شرط ، وما حرف مؤكد له . و ( يأتينكم ) : فعل الشرط مؤكد بالنون الثقيلة ، والفعل يصير بها مبنيا أبدا .
وما جاء في القرآن من أفعال الشرط عقيب إما كله مؤكد بالنون ، وهو القياس ; لأن زيادة ما تؤذن بإرادة شدة التوكيد وقد جاء في الشعر غير مؤكد بالنون .
وجواب الشرط : فمن تبع وجوابه . ومن في موضع رفع بالابتداء ، والخبر تبع ، وفيه ضمير فاعل يرجع على من ، وموضع تبع جزم بمن ، والجواب : فلا خوف عليهم .
وكذلك كل اسم شرطت به وكان مبتدأ فخبره فعل الشرط لا جواب الشرط ; ولهذا يجب أن يكون فيه ضمير يعود على المبتدأ ، ولا يلزم ذلك الضمير في الجواب حتى لو قلت من يقم أكرم زيدا جاز ، ولو قلت من يقم زيدا أكرمه ، وأنت تعيد الهاء إلى من لم يجز .
وذهب قوم إلى أن الخبر هو فعل الشرط والجواب ; وقيل الخبر منهما ما كان فيه ضمير يعود على من . و ( خوف ) : مبتدأ وعليهم الخبر ، وجاء الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى العموم بالنفي الذي فيه .
والرفع والتنوين هنا أوجه من البناء على الفتح لوجهين : أحدهما : أنه عطف عليه ما لا يجوز فيه إلا الرفع وهو قوله : ولا هم لأنه معرفة ولا لا تعمل في المعارف ، فالأولى أن يجعل المعطوف عليه كذلك ; ليتشاكل الجملتان كما قالوا في الفعل المشغول [ ص: 51 ] بضمير الفاعل ، نحو : قام زيد وعمرا كلمته ; فإن النصب في عمرو أولى ليكون منصوبا بفعل ، كما أن المعطوف عليه عمل فيه الفعل .
والوجه الثاني : من جهة المعنى ; وذلك بأن البناء يدل على نفي الخوف عنهم بالكلية ، وليس المراد ذلك بل المراد نفيه عنهم في الآخرة .
فإذا قيل : لم لا يكون وجه الرفع أن هذا الكلام مذكور في جزاء من اتبع الهدى ، ولا يليق أن ينفي عنهم الخوف اليسير ، ويتوهم ثبوت الخوف الكثير .
قيل : الرفع يجوز أن يضمر معه نفي الكثير ; تقديره : لا خوف كثير عليهم ، فيتوهم ثبوت القليل ، وهو عكس ما قدر في السؤال ، فبان أن الوجه في الرفع ما ذكرنا .
( هداي ) : المشهور إثبات الألف قبل الياء على اللفظ المفرد قبل الإضافة .
ويقرأ هدي - بياء مشددة - ووجهها أن ياء المتكلم يكسر ما قبلها في الاسم الصحيح ، والألف لا يمكن كسرها ; فقلبت ياء من جنس الكسرة ثم أدغمت .