قال تعالى : ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل ( 87 ) ) .
قوله عز وجل : ( وقفينا ) : الياء بدل من الواو ; لقولك : قفوته وهو يقفوه إذا [ ص: 76 ] أتبعه فلما وقعت رابعة قلبت ياء . ( بالرسل ) : بالضم وهو الأصل والتسكين جائز تخفيفا ; ومنهم من يسكن إذا أضاف إلى الضمير ; هربا من توالي الحركات ، ويضم في غير ذلك .
( عيسى ) : فعلى من العيس ، وهو بياض يخالطه شقرة ، وقيل هو أعجمي لا اشتقاق له . و مريم : علم أعجمي ولو كان مشتقا من رام يريم لكان مريما بسكون الياء ، وقد جاء في الأعلام بفتح الياء ; نحو : مزيد ، وهو على خلاف القياس . ( وأيدناه ) : وزنه فعلناه ، وهو من الأيد ، وهو من القوة .
ويقرأ : " آيدناه " بمد الألف وتخفيف الياء ووزنه أفعلناه .
فإن قلت : فلم لم تحذف الياء التي هي عين كما حذفت في مثل أسلناه من سال يسيل قيل لو فعلوا ذلك لتوالى إعلالان : أحدهما قلب الهمزة الثانية ألفا ، ثم حذف الألف المبدلة من الياء لسكونها وسكون الألف قبلها ، فكان يصير اللفظ أدناه فكانت تحذف الفاء والعين وليس كذلك أسلناه ; لأن هناك حذفت العين وحدها . ( القدس ) : بضم الدال وسكونها لغتان مثل العسر والعسر .
( أفكلما ) : دخلت الفاء هاهنا لربط ما بعدها بما قبلها والهمزة للاستفهام الذي بمعنى التوبيخ . و " جاءكم " يتعدى بنفسه ، وبحرف الجر ، تقول : جئته وجئت إليه .
( تهوى ) : ألفه منقلبة عن ياء ; لأن عينه واو ، وباب طويت وشويت أكثر من باب حوة وقوة ، ولا دليل في هوي لانكسار العين ، وهو مثل شقي فإن أصله واو ، ويدل على أن هوى من اليائي أيضا قولهم في التثنية هويان . ( استكبرتم ) : جواب كلما . ( ففريقا كذبتم ) : أي فكذبتم فريقا ، فالفاء عطفت كذبتم على استكبرتم ، ولكن قدم المفعول ليتفق رءوس الآي . وفي الكلام حذف ; أي ففريقا منهم كذبتم .
قال تعالى : ( بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون وقالوا قلوبنا غلف ( 88 ) ) .
قوله تعالى : ( غلف ) : يقرأ بضم اللام وهو جمع غلاف .
ويقرأ بسكونها . وفيه وجهان : أحدهما : هو تسكين المضموم ، مثل كتب وكتب .
[ ص: 77 ] والثاني : هو جمع أغلف مثل أحمر وحمر وعلى هذا لا يجوز ضمه و ( بل ) هاهنا إضراب عن دعواهم ، وإثبات أن سبب جحودهم لعن الله إياهم عقوبة لهم .
قوله : ( بكفرهم ) : الباء متعلقة بـ ( لعن ) ، وقال أبو علي النية به التقديم ; أي وقالوا قلوبنا غلف بسبب كفرهم ، بل لعنهم الله معترض .
ويجوز أن يكون في موضع الحال من المفعول في لعنهم ; أي كافرين ، كما قال : ( وقد دخلوا ) بالكفر [ المائدة : 61 ] .
( فقليلا ) : منصوب صفة لمصدر محذوف ، و ( ما ) : زائدة ، أي فإيمانا قليلا يؤمنون . وقيل صفة لظرف ; أي فزمانا قليلا يؤمنون ، ولا يجوز أن تكون ما مصدرية ; لأن قليلا لا يبقى له ناصب . وقيل : ما نافية ; أي فما يؤمنون قليلا ولا كثيرا ومثله ( قليلا ما تشكرون ) و ( قليلا ما تذكرون ) وهذا أقوى في المعنى وإنما يضعف شيئا من جهة تقدم معمول ما في حيز ما عليها .