قوله تعالى : ( أو كالذي ) : في الكاف وجهان : أحدهما : أنها زائدة ، والتقدير : ألم تر إلى الذي حاج ، أو الذي مر على قرية ، وهو مثل قوله : ( ليس كمثله ) [ الشورى : 11 ] .
والثاني : هي غير زائدة ، وموضعها نصب ، والتقدير : أو رأيت مثل الذي ، ودل على هذا المحذوف قوله " ألم تر إلى الذي حاج " .
و ( أو ) : للتفصيل ، أو للتخيير في التعجب بحال أي القبيلين شاء ، وقد ذكر في قوله : ( أو كصيب ) [ البقرة : 19 ] وغيره .
وأصل القرية من قريت الماء إذا جمعته ، فالقرية مجتمع الناس .
( وهي خاوية ) : في موضع جر صفة لقرية .
( على عروشها ) : يتعلق بخاوية ; لأن معناه واقعة على سقوفها .
وقيل : هو بدل من القرية ; تقديره : مر على قرية على عروشها ; أي مر على عروش القرية ; وأعاد حرف الجر مع البدل .
ويجوز أن يكون على عروشها على هذا القول صفة للقرية ، لا بدلا ; تقديره : على قرية ساقطة على عروشها ، فعلى هذا يجوز أن يكون " وهي خاوية " حالا من العروش ، وأن يكون حالا من القرية ; لأنها قد وصفت ، وأن يكون حالا من هاء المضاف إليه ، والعامل معنى الإضافة ، وهو ضعيف ، مع جوازه .
[ ص: 169 ] ( أنى ) : في موضع نصب بيحي ، وهي بمعنى متى فعلى هذا يكون ظرفا ، ويجوز أن يكون بمعنى كيف ، فيكون موضعها حالا من هذه ، وقد تقدم لما فيه من الاستفهام . ( مائة عام ) : ظرف لأماته على المعنى ; لأن المعنى ألبثه ميتا مائة عام .
ولا يجوز أن يكون ظرفا على الظاهر ; لأن الأمانة تقع في أدنى زمان .
ويجوز أن يكون ظرفا لفعل محذوف تقديره : فأماته ، فلبث مائة عام ، ويدل على ذلك قوله " كم لبثت " ثم قال " بل لبثت مائة عام " .
( كم ) : ظرف للبثت . ( لم يتسنه ) : الهاء زائدة في الوقف ، وأصل الفعل على هذا فيه وجهان : أحدهما : هو يتسنن ، من قوله : ( حمإ مسنون ) [ الحجرات : 26 ، 28 ، 33 ] فلما اجتمعت ثلاث نونات قلبت الأخيرة ياء كما قلبت في تظنيت ، ثم أبدلت الياء ألفا ، ثم حذفت للجزم .
والثاني : أن يكون أصل الألف واوا من قولك : أسنى يسنى إذا مضت عليه السنون . وأصل سنة سنوة لقولهم سنوات .
ويجوز أن تكون الهاء أصلا ، ويكون اشتقاقه من السنة ، وأصلها سنهة ، لقولهم سنهاء ، وعاملته مسانهة ; فعلى هذا تثبت الهاء وصلا ووقفا ، وعلى الأول تثبت في الوقف دون الوصل ، ومن أثبتها في الوصل أجراه مجرى الوقف .
فإن قيل : ما فاعل يتسنى ؟ . قيل : يحتمل أن يكون ضمير الطعام والشراب لاحتياج كل واحد منها إلى الآخر بمنزلة شيء واحد ، فلذلك أفرد الضمير في الفعل .
ويحتمل أن يكون جعل الضمير لذلك ، وذلك يكنى به عن الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد ، ويحتمل أن يكون الضمير للشراب ; لأنه أقرب إليه ، وإذا لم يتغير الشراب مع سرعة التغير إليه فأن لا يتغير الطعام أولى . ويجوز أن يكون أفرد في موضع التثنية كما قال الشاعر : [ ص: 170 ]
فكأن في العينين حب قرنفل أو سنبل كحلت به فانهلت
.( ولنجعلك ) : معطوف على فعل محذوف ، تقديره : أريناك ذلك لتعلم قدر قدرتنا ولنجعلك . وقيل الواو زائدة ، وقيل التقدير : ولنجعلك فعلنا ذلك .
( كيف ننشزها ) : في موضع الحال من العظام ، والعامل في كيف ننشزها ، ولا يجوز أن تعمل فيها انظر ; لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، ولكن كيف وننشرها جميعا حال من العظام ، والعامل فيها انظر ; تقديره : انظر إلى العظام محياة .
" وننشرها " يقرأ بفتح النون وضم الشين ، وماضيه نشر ، وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون مطاوع أنشر الله الميت فنشر ، ويكون نشر على هذا بمعنى أنشر ، فاللازم والمتعدي بلفظ واحد .
والثاني : أن يكون من النشر الذي هو ضد الطي ; أي يبسطها بالإحياء .
ويقرأ بضم النون وكسر الشين ; أي نحييها ، وهو مثل قوله : ( إذا شاء أنشره ) [ عبس : 22 ] ويقرأ بالزاي ; أي نرفعها وهو من النشز ; وهو المرتفع من الأرض ، وفيها على هذا قراءتان : ضم النون ، وكسر الشين من أنشزته .
وفتح النون وضم الشين وماضيه نشزته ، وهما لغتان .
و ( لحما ) : مفعول ثان . ( قال أعلم ) : يقرأ بفتح الهمزة واللام ، على أنه أخبر عن نفسه .
ويقرأ بوصل الهمزة على الأمر ، وفاعل قال : الله وقيل : فاعله عزيز ، وأمر نفسه كما يأمر المخاطب ، كما تقول لنفسك اعلم يا عبد الله ، وهذا يسمى التجريد .
وقرئ بقطع الهمزة وفتحها وكسر اللام ، والمعنى أعلم الناس .