قوله تعالى : ( ويعلمه ) : يقرأ بالنون حملا على قوله : ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ) [ آل عمران : 44 ] ويقرأ بالياء حملا على " يبشرك " ، وموضعه حال معطوفة على ( وجيها ) .
( ورسولا ) : فيه وجهان : أحدهما : هو صفة مثل صبور وشكور ، فيكون حالا أيضا ; أو مفعولا به على تقدير : ويجعله رسولا ; وفعول هنا بمعنى مفعل ; أي مرسلا .
والثاني : أن يكون مصدرا ، كما قال الشاعر :
أبلغ أبا سلمى رسولا تروعه
.فعلى هذا يجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال ، وأن يكون مفعولا معطوفا على الكتاب ; أي نعلمه رسالة ; فإلى على الوجهين تتعلق برسول ; لأنهما يعملان عمل الفعل . ويجوز أن يكون " إلى " نعتا لرسول فيتعلق بمحذوف .
( أني ) : في موضع الجملة ثلاثة أوجه : أحدها : جر ; أي بأني ، وذلك مذهب الخليل ، ولو ظهرت الباء لتعلقت برسول ، أو بمحذوف يكون صفة لرسول ; أي ناطقا بأني ، أو مخبرا .
[ ص: 213 ] والثاني : موضعها نصب على الموضع ، وهو مذهب ، أو على تقدير : يذكر أني ، ويجوز أن يكون بدلا من رسول إذا جعلته مصدرا تقديره : ونعلمه أني قد جئتكم . سيبويه
والثالث : موضعها رفع ; أي هو أني قد جئتكم إذا جعلت رسولا مصدرا أيضا .
( بآية ) : في موضع الحال ; أي محتجا بآية .
( من ربكم ) : يجوز أن يكون صفة لآية ، وأن يكون متعلقا بجئت .
( أني أخلق ) : يقرأ بفتح الهمزة ، وفي موضعه ثلاثة أوجه : أحدها : جر بدلا من آية . والثاني : رفع ; أي هي أني .
والثالث : أن يكون بدلا من " أني " الأولى .
ويقرأ بكسر الهمزة على الاستئناف ، أو على إضمار القول .
( كهيئة ) : الكاف في موضع نصب نعتا لمفعول محذوف ; أي هيئة كهيئة الطير ، والهيئة مصدر في معنى المهيأ كالخلق بمعنى المخلوق .
وقيل : الهيئة اسم لحال الشيء وليست مصدرا ، والمصدر التهيؤ والتهيئة .
ويقرأ ( كهيئة الطير ) : على إلقاء حركة الهمزة على الياء وحذفها ، وقد ذكر في البقرة اشتقاق الطير وأحكامه ، والهاء في ( فيه ) : تعود على معنى الهيئة ; لأنها بمعنى المهيأ .
ويجوز أن تعود على الكاف ; لأنها اسم بمعنى مثل ، وأن تعود على الطير ، وأن تعود على المفعول المحذوف .
( فيكون ) : أي فيصير ، فيجوز أن تكون كان هنا التامة ; لأن معناها صار ، وصار بمعنى انتقل . ويجوز أن تكون الناقصة ، و " طائرا " على الأول حال ، وعلى الثاني خبر .
[ ص: 214 ] و ( بإذن الله ) : يتعلق بيكون . ( بما تأكلون ) : يجوز أن تكون بمعنى الذي ، ونكرة موصوفة ، ومصدرية ، وكذلك ما الأخرى . والأصل في : ( تدخرون ) : تذدخرون إلا أن الذال مجهورة ، والتاء مهموسة ، فلم يجتمعا ; فأبدلت التاء دالا ; لأنها من مخرجها لتقرب من الذال ، ثم أبدلت الذال دالا ، وأدغمت ، ومن العرب من يقلب التاء ذالا ، ويدغم ، ويقرأ بتخفيف الذال ، وفتح الخاء ، وماضيه ذخر .
قال تعالى : ( ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون ( 50 ) ) .
قوله تعالى : ( ومصدقا ) : حال معطوفة على قوله : " بآية " ; أي جئتكم بآية ومصدقا " لما بين يدي " ولا يجوز أن يكون معطوفا على وجيها ; لأن ذلك يوجب أن يكون ومصدقا لما بين يديه على لفظ الغيبة : من التوراة في موضع نصب على الحال من الضمير المستتر في الظرف ، وهو بين . والعامل فيها الاستقرار أو نفس الظرف . ويجوز أن يكون حالا من " ما " فيكون العامل فيها مصدقا .
( ولأحل ) : هو معطوف على محذوف ; تقديره : لأخفف عنكم ، أو نحو ذلك .
( وجئتكم بآية ) : هذا تكرير للتوكيد ; لأنه قد سبق هذا المعنى في الآية التي قبلها .
قال تعالى : ( قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون فلما أحس عيسى منهم الكفر ( 52 ) ) .
قوله تعالى : ( منهم الكفر ) : يجوز أن يتعلق " من " بأحس وأن يكون حالا من الكفر . ( أنصاري ) : هو جمع نصير كشريف وأشراف .
وقال قوم : هو جمع نصر ، وهو ضعيف ، إلا أن تقدر فيه حذف مضاف ; أي من صاحب نصري أو تجعله مصدرا وصف به . و ( إلى ) : في موضع الحال متعلقة بمحذوف وتقديره : من أنصاري مضافا إلى الله أو إلى أنصار الله . وقيل : هي بمعنى مع وليس بشيء فإن إلى لا تصلح أن تكون بمعنى مع ولا قياس يعضده .
( الحواريون ) : الجمهور على تشديد الياء ، وهو الأصل ; لأنها ياء النسبة .
ويقرأ بتخفيفها ; لأنه فر من تضعيف الياء ، وجعل ضمة الياء الباقية دليل على الأصل . كما قرأوا : ( يستهزئون ) : مع أن ضمة الياء بعد الكسرة مستثقل .
[ ص: 215 ] واشتقاق الكلمة من الحور ; وهو البياض ; وكان الحواريون يقصرون الثياب .
وقيل : اشتقاقه من حار يحور إذا رجع ، فكأنهم الراجعون إلى الله ; وقيل : هو مشتق من نقاء القلب وخلوصه وصدقه .
قال تعالى : ( فاكتبنا مع الشاهدين ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول ( 53 ) ) .
قوله تعالى : ( فاكتبنا مع الشاهدين ) : في الكلام حذف تقديره : مع الشاهدين لك بالوحدانية .
قال تعالى : ( والله خير الماكرين ومكروا ومكر الله ( 54 ) ) .
قوله تعالى : ( والله خير الماكرين ) : وضع الظاهر موضع المضمر تفخيما ، والأصل وهو خير الماكرين .