الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      ورسم الأولى اختير في جاءانا وفي تراءا عكس هاذا بانا

      أخبر باختيار رسم الألف الأولى، أي: إثباتها في "جاءانا" يعني مع حذف الألف الثانية.

      وباحتيار عكس هذا الحكم في: "تراءا"، وهو إثبات الألف الثانية وحذف الأولى.

      أما "جاءانا" ففي "الزخرف": "حتى إذا جاءانا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين"، وقد قرأه البصري وحمزة والكسائي وحفص بغير ألف بعد الهمزة مسندا إلى ضمير المفرد.

      وأما "تراءا" ففي "الشعراء": فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ، وفي: "جاءانا" ألفان: أولاهما الواقعة قبل الهمزة، وهي عين الكلمة ومبدلة من ياء، وثانيتهما الواقعة بعد الهمزة وهي ألف الاثنين، وفي: "تراءا" ألفان أيضا: أولاهما الواقعة قبل الهمزة وهي ألف تفاعل، وثانيتهما الواقعة بعد الهمزة وهي لام الكلمة، ومبدلة من ياء وأصلها "تراءى"، فعل ماض على وزن تفاعل: "كتخاصم" تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وكان قياس الكلمتين معا أن ترسما بثلاثة ألفات: الألفان المتقدمان، والثالث صورة الهمزة التي بينهما: إذ قياس الهمزة هنا أن تصور من جنس حركتها، وهو هنا الألف ولكن لم ترسم الكلمتان في جميع المصاحف إلا بألف واحد، وحذف منهما ألفان كراهة اجتماع الصور المتماثلة في الخط، ولم يذكر الشيخان أن الألف المرسومة هي صورة الهمزة، وإنما ذكرا أنه يحتمل أن تكون الألف المرسومة في الكلمتين هي الأولى ويحتمل أن تكون هي الثانية واختارا أن المرسومة في: "جاءانا" [ ص: 129 ] هي الألف الأولى الواقعة قبل الهمزة، والمحذوفة هي الألف الثانية الواقعة بعدها، واختارا في "تراءا" العكس، وإلى اختيارهما المذكور أشار الناظم بالبيت، وعليه فصورة كتابة "جاءانا" أن تكون الألف التي قبل الهمزة سوداء والتي بعدها حمراء، وصورة كتابة: "تراءا" أن تكون الألف التي قبل الهمزة حمراء، والتي بعدها سوداء، وعلى هذا العمل في الكلمتين.

      واعلم أن الاختيار الذي أشار إليه الناظم في البيت إنما هو لأبي عمرو في "المحكم"، ولأبي داود في "ذيل الرسم"، وأما كلام أبي عمرو في "المقنع"، فهو كالصريح في اختيار أن الألف الثانية هي المثبتة في كل من الكلمتين، ولم يذكر أبو داود في "التنزيل" اختيارا في "جاءنا"، بل اقتصر على أنه كتب بألف واحدة، واختار في "التنزيل" حذف الألف الثانية من: "تراءا" وانتصر له الجعبري ورد جميع التوجيهات التي ذكرها أبو عمرو لاختيار حذف الألف الأولى من: "تراءا"، وعليه فصورة كتابة: "تراءا" أن تكون الألف التي قبل الهمزة سوداء والتي بعدها حمراء، وقد علمت أن العمل على ما ذكره الناظم.

      تنبيهان:

      - الأول: ما تقدم في "جاءانا" من حذف إحدى ألفيه إنما هو على تقدير رسمه في المصاحف على قراءة التثنية.

      وأما على تقدير رسمه فيها على قراءة الأفراد فليس فيه حذف أصلا.

      - الثاني: لم يقع "جاءانا" في هذه الترجمة بل: "تراءا" فقط، وإنما ذكره مع: "تراءا" لشبهه به في الاشتمال على ألفين بينهما همزة غير مصورة، ولكونه مقابلا له في الاختيار، وقوله: "بان" معناه "ظهر".

      التالي السابق


      الخدمات العلمية