وإذا جاز النكاح ; لأن الفراش الثابت له عليها سببه ملك اليمين وذلك غير ملزم للمولى فلا يمنع صحة ترويجه إياها فإذا ولدت من الزوج فولدها بمنزلتها أما ثبوت النسب من الزوج فلأنها ولدته على فراشه ، وأما ثبوت حق أمية الولد لهذا الولد فلأنه جزء منها فإنما ينفصل عنها بصفتها وكما أنها تعتق بالموت ولا تسعى لأحد فكذلك ولدها من غير المولى . ألا ترى أن الولد لا ينفصل من الحر إلا حرا وعلى المولى في جناية أم الولد قيمتها لا يلزمه أكثر من ذلك وإن كثرت الجناية منها ; لأنه بالاستيلاد السابق منع دفعها بالجناية على وجه لم يصر مختارا ; لأنه ما كان يعلم أنها تجني ، ولو كانت محل الدفع لم يكن عليه إلا دفعها بالجناية وإن كثرت الجناية منها فكذلك لا يلزمه إلا قيمة واحدة ; لأنه ما منع إلا رقبة واحدة ، وأما الدين الذي يلحقها بغصب أو استهلاك فإنها تسعى فيه بالغا ما بلغ ; لأن الدين ثابت في ذمتها ولو كانت محل البيع لكانت تباع فيه ويصرف كسبها ورقبتها [ ص: 152 ] إلى ديونها فإذا تعذر بيعها بالاستيلاد وجب قضاء ديونها من كسبها بخلاف الجناية فإنها تتباعد من الجاني وتتعلق بأقرب الناس إليه . ألا ترى أن دين المملوك يبقى في ذمته بعد بيعه ولا تبقى الجناية في رقبته بعد بيعه أو عتقه ، وولد أم الولد ثابت النسب من المولى ما لم ينفه ; لأنها فراش له وقال عليه الصلاة والسلام { زوج أم ولده من رجل } ولكن ينتفي عنه بمجرد النفي عندنا وعلى قول الولد للفراش رحمه الله تعالى إن لم يكن استبرأها بحيضة يلزمه نسب ولدها وليس له أن ينفيه . الشافعي
وإن كان قد استبرأها بحيضة بعد ما وطئها لا يلزمه نسب ولدها إلا بالدعوة وحكمها حكم الأمة التي ليست بأم ولد سواء عنده بناء على أصلين له أحدهما : أنه لا عدة على أم الولد بعد العتق كالأمة القنة وإنما يلزمها الاستبراء بحيضة وقد بينا هذا في كتاب النكاح ، والثاني : أن عنده الأمة تصير فراشا بنفس الوطء وقد بينا هذا أيضا فيما أمليناه من شرح الدعوى فإذا صارت عنده فراشا بالوطء لا يرتفع حكم هذا الفراش إلا بالاستبراء فإن جاءت بالولد قبل أن يستبرئها عنده فراشا بالوطء لا يرتفع حكم هذا الفراش إلا بالاستبراء فإن جاءت بالولد قبل أن يستبرئها يلزمه النسب لوجود دليله شرعا فلا يملك نفيه كما لو قامت البينة به وإن استبرأها بحيضة فقد انعدم حكم ذلك الفراش ; لأن بسببها كان اشتغال رحمها بمائه بالوطء وقد انعدم ذلك بالاستبراء فلا يلزمه النسب إلا بالدعوة وعندنا له على أم الولد فراش معتبر ولهذا لزمها أن تعتد بثلاث حيض بعد العتق فثبت النسب باعتبار الفراش ولكن هذا الفراش غير ملزم في حقه ولهذا يملك تزويجها من غيره فكما ينفرد بنقل الفراش إلى غيره ينفرد بنفي نسب الولد وإنما يملك نفيه ما لم يقض به القاضي أو يتطاول ذلك .
فأما بعد قضاء القاضي فقد لزمه بالقضاء على وجه لا يملك إبطاله ، وكذلك بعد التطاول ; لأنه يوجد منه دليل الإقرار في هذه المدة من قبول التهنئة ونحوه فيكون كالتصريح بالإقرار واختلافهم في مدة التطاول قد سبق بيانه في باب اللعان من كتاب الطلاق ، فأما الأمة والمدبرة فلا يلزمه ولدهما وإن حصنهما وطلب ولدهما ما لم يقر به ; لأن الفراش على المملوكة لا يثبت بالوطء عندنا والنسب لا يثبت بدون الفراش إلا أنه روي عن رحمه الله تعالى أنه إذا وطئها ولم يعزل عنها وحصنها فله أن يدعي نسب ولدها وليس له أن ينفيه فيما بينه وبين ربه ; لأن الظاهر أنه منه والبناء على الظاهر واجب فيما لا تعلم حقيقته فأما إذا عزل عنها أو لم يحصنها فله أن ينفيه ; لأن هذا الظاهر يقابله ظاهر آخر وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه إذا وطئها ولم يستبرئها بعد ذلك حتى جاءت بالولد فعليه أن يدعيه سواء عزل عنها أو لم يعزل [ ص: 153 ] حصنها أو لم يحصن تحسينا للظن بها وحملا لأمرها على الصلاح ما لم يتبين خلافه ولأن ما يظهر عقيب سببه يكون محالا به عليه حتى يتبين خلافه ، وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى لا ينبغي له أن يدعي النسب إذا لم يعلم أنه منه ولكن ينبغي له أن يعتق الولد ويستمتع بها ويعتقها بعد موته ; لأن استلحاق نسب ليس منه لا يحل شرعا فيحتاط من الجانبين وذلك في أن يدعي النسب ولكن يعتق الولد ويعتق الأم بعد موته لاحتمال أن يكون منه . محمد