الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذ قال الرجل لأمته : أمرك بيدك يعني في العتق فإن أعتقت نفسها في مجلسها عتقت ، وإن قامت منه قبل أن تعتق نفسها فهي أمة ; لأنه ملكها أمرها ، وأهم أمورها العتق فتعمل نيته في العتق ، وجواب التمليك يقتصر على المجلس ، وقد بيناه في الطلاق ، وذكرنا هناك أنه إذا لم ينو الطلاق ، فالقول قوله فكذلك هنا إذا لم ينو العتق ، وكذلك إن جعل أمرها في يد غيرها ، وإن قال لها أعتقي نفسك فقالت قد اخترت نفسي كان باطلا ; لأن كلامها يصلح جوابا للتخيير ، والمولى ما خيرها ، إنما ملكها أمرها ، وقولها اخترت نفسي لا يصلح للتصرف بحكم الملك ، ألا ترى أن المولى يملك إعتاقها ولو قال لها اخترتك من نفسي ، أو اخترت نفسي منك لا تعتق فكذلك قولها اخترت نفسي ; ولأن قوله أعتقي نفسك إقامة منه إياها مقام نفسه في إيقاع العتق فإنما يملك الإيقاع باللفظ الذي كان المولى مالكا للإيقاع به ولو قال لها : أنت حرة إن شئت فإن قالت في مجلسها قد شئت كانت حرة ، ولو قامت قبل أن تقول شيئا ، فهي أمة ، والتفويض إلى مشيئتها بمنزلة التمليك منها فتقتصر على الجواب في المجلس ، وكذلك إن قال إن أردت ، أو هويت ، أو أحببت ، أو قال أنت حرة إن كنت تحبينني ، أو تبغضينني فالقول في ذلك قولها ما دامت في مجلسها كما في الطلاق ; لأنه لا يوقف على ما في قلبها إلا بإخبارها فكان هذا بمنزلة التعليق بالإخبار بذلك .

وإن قالت في ذلك لست أحبك ثم قالت : أنا أحبك لم تصدق للتناقض ; ولأن شرط البر قد تم بقولها الأول فلم يبق لها قول مقبول بعد ذلك في حق المولى وكذلك لو قال : إن كنت تحبين العتق فأنت حرة ، ولو قال : أنت حرة إذا حضت كان القول في ذلك قولها استحسانا ; لأنه لا يوقف عليه إلا من جهتها ولكن هذا لا يقتصر على مجلسها ; لأنها لا تقدر على الإخبار بالحيض على وجه تكون صادقة فيه إلا بعد رؤية الدم ، وربما لا يتحقق في ذلك المجلس فمتى قالت حضت عتقت ، ولو قال : أنت حرة ، وفلانة إن شئت فقالت قد شئت نفسي لم تعتق ; لأن قوله إن شئت ليس بكلام مستقل بنفسه فلا بد من جعله بناء على ما سبق ، فيكون معناه إن شئت عتقكما فلا يتم الشرط بمشيئتها عتق نفسها ، وكذلك لو قال لأمتيه : أنتما حرتان إن شئتما فشاءت إحداهما فهو باطل ; لأن معنى كلامه إن شئتما عتقكما فلا يتم الشرط بمشيئة إحداهما ولا بمشيئتهما عتق إحداهما ، ولو قال : أيتكما شاءت العتق فهي حرة فشاءتا جميعا عتقتا ; لأن كلمة أي تتناول كل واحدة منهما على [ ص: 79 ] الانفراد فإن شاءت إحداهما عتقت التي شاءت ; لأن مشيئة كل واحدة منهما بهذا اللفظ شرط عتقهما ، ألا ترى أنه قال : أيتكما شاءت ، ولم يقل شاءتا جميعا عتقتا فإن قال : أردت إحداهما لم يصدق في القضاء ، ويصدق فيما بينه ، وبين الله تعالى ; لأنه نوى التخصيص في اللفظ العام فإن كان نوى إحداهما بعينها عتقت هي ، وإن نوى إحداهما لا بعينها كان له أن يختار إحداهما فيعتقها ، ويمسك الأخرى بمنزلة ما لو أعتق إحداهما لا بعينها .

ولو قال : كل مملوك لي فهو حر ، وله عبيد ، وأمهات أولاد ومدبرون ، ومكاتبون عتقوا جميعا إلا المكاتبين فإنهم لا يعتقون إلا أن ينويهم ; لأن كلمة كل توجب التعميم ، وقد أوجب العتق لكل مملوك مضاف إليه بالملكية مطلقا بقوله لي ، وهذا يتحقق في العبيد ، وأمهات الأولاد والمدبرين ; لأنه يملكهم رقا ، ويدا حتى يملك استغلالهم واستكسابهم ، وهذا غير موجود في المكاتبين ; فإنه يملكهم رقا لا يدا بل المكاتب كالحر يدا حتى كان أحق بمكاسبه ، ولا يملك المولى إكسابه ، والثابت من وجه دون وجه لا يكون ثابتا مطلقا فلهذا لا يدخلون إلا أن ينويهم ، فإن نواهم فنقول : المنوي من محتملات كلامه ; لأنه قد يضيف إلى نفسه ما يكون مضافا إليه من وجه دون وجه ، وإن قال : أردت الرجال دون النساء دين فيما بينه وبين الله تعالى ، ولم يدن في القضاء ; لأنه نوى التخصيص في اللفظ العام ، وهذا بخلاف ما لو قال نويت السود منهم دون البيض فإنه لا يصدق في القضاء ، ولا فيما بينه ، وبين الله تعالى ; لأن هناك نوى التخصيص بوصف ليس في لفظه ، ولا عموم لما لا لفظ له ، فلا تعمل فيه نية التخصيص وهنا نوى التخصيص فيما في لفظه ; لأن المملوك حقيقة للذكور دون الإناث ، فإن الأنثى يقال لها : مملوكة ولكن عند الاختلاط يستعمل عليهم لفظ التذكير عادة فإذا نوى الذكر فقد نوى حقيقة كلامه ، ولكنه خلاف المستعمل ، فيدين فيما بينه ، وبين الله تعالى ولا يدين في القضاء ، ولهذا قيل : لو قال : نويت النساء دون الرجال كانت نيته لغوا .

( قال ) : وكذلك لو قال لم أنو المدبرين لم يصدق في القضاء ، وفي كتاب الأيمان يقول : إذا قال لم أنو المدبرين لم يدن فيما بينه ، وبين الله تعالى ، ولا في القضاء ، ففيه روايتان وجه تلك الرواية أنه نوى التخصيص بما ليس في لفظه ; لأن التدبير ، وإن كان يوجب استحقاق العتق فلا يوجب نقصانا في إضافته إليه بالملكية ، واليد ، وجه هذه الرواية أن إضافته إلى المولى برقه ، والتدبير يمكن نقصانا في الرق ; لأن استحقاق العتق على وجه لا يحتمل الفسخ لا يكون إلا بعد نقصان في رقه ، ولهذا قيل : المدبر من ، وجه [ ص: 80 ] كالحر حتى لا يحتمل البيع فكان هو كالمكاتب من هذا الوجه غير مضاف إلى المولى بمطلق الملك ، والرق إلا أن النقصان هنا في الإضافة بمعنى خفي فيدين فيما بينه ، وبين الله تعالى دون القضاء ، ولا يخرج من الكلام بدون النية .

وفي المكاتب النقصان بسبب ظاهر ، وهو ملك اليد له في مكاسبه فلا يدخل إلا أن ينويه ، ولأن قوله كل مملوك لي حر إنشاء العتق ، وقد بينا أن عتق المدبر من وجه تعجيل لما استحقه مؤجلا فلا يكون إنشاء من كل وجه فإذا قال لم أنو المدبرين فقد بين أنه نوى ما يكون إنشاء من كل ، وجه خاصة ، وذلك أمر في ضميره خاصة فيدين فيما بينه ، وبين الله تعالى ، ولو قال لعبيده أنتم أحرار إلا فلانا كان كما قال ; لأن كلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء الاستثناء ، وكذلك لو قال : لعبدين أنتما حران إلا سالما ، وهو اسم أحدهما كان سالم عبدا ; لأن كلامه عبارة عما ، وراء المستثنى وقد بقي سوى المستثنى عبد يمكن أن يجعل كلامه عبارة عنه ، ولو قال : سالم حر ، ومرزوق حر إلا سالما عتقا جميعا ; لأنه تكلم بكلامين كل واحد منهما مستقل بنفسه بما ذكر له من الخبر فكان قوله إلا سالما استثناء لجميع ما تناوله أحد كلاميه وذلك باطل ; لأنه تعطيل ، والاستثناء للتحصيل ، والبيان ، وإنما يتحقق ذلك إذا كان يبقى سوى المستثنى شيء يتناوله ذلك الكلام ، وهذا بخلاف ما لو قال سالم ، ومرزوق حران إلا سالما فإن الاستثناء صحيح هنا ; لأن كلامه واحد هنا معنى حين أخر ذكر الخبر حتى عطف إحداهما على الآخر ، وذكر ما يصلح خبرا للمستثنى فعرفنا به أن كلامه واحد معنى فكأنه قال هما حران إلا سالما فإن قال كل مملوك أملكه أبدا فهو حر فهذا اللفظ إنما يتناول ما يملكه في المستقبل ; لأنه قال : أبدا وليس للأبد نهاية في الحقيقة ، وفي العرف هو عبارة عن وقت في المستقبل إلى موته ، ومن أصلنا أن العتق يحتمل الإضافة إلى الملك كالطلاق فبأي سبب يملك المملوك من شراء ، أو غيره فإنه يعتق ; لأن المضاف إلى وقت أو المعلق بشرط عند ، وجوده كالمنجز .

وكذلك لو قال : كل مملوك أملكه إلى ثلاثين سنة وكذلك إذا قال : كل مملوك أشتريه فهو حر ; لأن الشراء سبب للملك ، وإقامة السبب مقام الحكم صحيح فإن أمر غيره فاشتري مملوكا لم يعتق ; لأنه جعل الشرط شراء بنفسه ، ولم يوجد فإن حقوق العقد في البيع والشراء إنما تتعلق بالعاقد ، والعاقد يستغني عن إضافة العقد إلى الآمر بخلاف النكاح ، وإن كان نوى أن لا يشتري هو ، ولا غيره عتق ; لأنه شدد الأمر على نفسه بلفظ يحتمله فإنه نوى الحكم ، وهو الملك بما ذكر [ ص: 81 ] من سببه ، وهو الشراء قالوا : وهذا كله إذا كان الرجل ممن يباشر العقد بنفسه ، فأما إذا كان الحالف ممن لا يباشر الشراء بنفسه عادة فأمر غيره بأن يشتري له عتق ; لأنه باليمين منع نفسه عما يباشره عادة ، فإذا كان عادته الشراء بهذا الطريق ينصرف يمينه إليه عند الإطلاق ، وإن قال : كل مملوك لي حر يوم أكلم فلانا ، وليس له مملوك ثم اشترى مملوكا ثم كلمه لم يعتق ; لأن قوله أملكه ، وإن كان ظاهرا في الاستقبال فالمراد به الحال في الاستعمال يقال : فلان يملك كذا ، وأنا أملك كذا يعني في الحال فما ليس بمملوك له في الحال لا يتناوله كلامه ; لأن المضاف إلى وقت ، والمعلق بالشرط إنما يتناول ما يتناوله المنجز فإذا كان العتق المنجز بهذا اللفظ لا يتناول إلا ما يملكه في الحال فكذا المضاف إلى وقت بخلاف ما سبق ; لأن الإضافة هنا في الملك لا في الحرية فلهذا يتناول ما يملكه في المستقبل .

وإن كان قال يوم أكلم فلانا فكل مملوك لي يومئذ حر عتقوا ; لأنه أوجب العتق لما يكون في ملكه وقت الكلام ، وما كان موجودا في ملكه ، وقت اليمين ، وما استحدث الملك فيه موصوف ; بأنه مملوك له وقت الكلام فيعتقون جميعا ، وإن قال : يوم أكلمه فكل مملوك أملكه أبدا فهو حر ثم اشترى مملوكا ثم كلمه لم يعتق ; لأن المتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ، وقوله : يوم أكلم فلانا شرط ، وقوله : كل مملوك أملكه أبدا حر فيصير عند وجود الكلام كأنه قال : كل مملوك أملكه أبدا ، وهذا اللفظ إنما يتناول ما يملكه بعد الكلام دون ما كان مملوكا له قبل الكلام والمشترى قبل الكلام مملوك له وقت الكلام فلا يتناوله إيجابه ، وإن قال : كل مملوك أملكه حر يوم أكلم فلانا ، وهو يريد ما يملكه فيما يستقبل فاشترى مملوكا ثم كلمه عتق ; لأنه نوى حقيقة كلامه فإن حقيقة قوله أملكه للاستقبال ، ولكن يعتق في القضاء من كان في ملكه يوم حلف ; لأن ظاهر لفظه يتناول المملوك له في الحال لغلبة الاستعمال فلا يصدق في صرف اللفظ عن ظاهره ، وذكر في النوادر أنه يصدق ; لأن ما نوى من حقيقة كلامه مستعمل أيضا ، وإنما لا يصدق في صرف الكلام عن ظاهره إذا كان المنوي خلاف المستعمل وإن قال : كل مملوك لي حر ، وله عبد بينه ، وبين آخر لم يعتق ; لأنه أوجب العتق لمملوك مضاف إليه بالملك مطلقا ، والمملوك اسم للعبد ، وهو المضاف إليه من وجه ، وإلى شريكه من وجه فلا يتناوله مطلق كلامه ، فإن نواه عتق استحسانا ، وفي القياس لا يعتق ; لأن نصيبه من العبد المشترك لا يسمى عبدا ، ولا مملوكا فقد نوى خلاف الملفوظ ، ولكن في الاستحسان يقول جزء من العبد موصوف بأنه مملوك كالكل ، ولهذا [ ص: 82 ] صح إضافة التصرفات المختصة بالملك إلى الجزء الشائع فإذا نواه فقد شدد على نفسه بلفظ يحتمله ، وبدون نيته إنما لم ندخله للعرف فإن المملوك اسم للعبد الكامل عرفا ، وقد سقط اعتبار هذا العرف حين نوى بخلافه : توضيحه أن العبد المشترك مضاف إليه من وجه دون وجه فيكون كالمكاتب يدخل بنيته .

وإن كان له عبد تاجر له مماليك ، وعليه دين ، أو لا دين عليه عتق العبد التاجر ; لأنه مملوك رقبة ، ويدا فيتناوله مطلق الإضافة فأما مماليكه فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إن كان عليه دين يحيط برقبته وكسبه لم يعتق مماليكه نواهم ، أو لم ينوهم ، وإن لم يكن عليه دين لم يعتق مماليكه إلا أن ينويهم ، وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى سواء كان عليه دين ، أو لم يكن فإن نواهم عتقوا ، وإن لم ينوهم لا يعتقون ، وعند محمد رحمه الله تعالى سواء كان عليه دين أو لم يكن يعتقون إلا أن يستثنيهم بنيتة ، وهذا ينبني على أصلين : أحدهما في المأذون أن المولى لا يملك كسب العبد المأذون إذا كان مستغرقا بالدين عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يملكه والثاني - في الأيمان أن كسب العبد لا يكون مضافا إلى المولى في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - وعند محمد رضي الله تعالى عنه يكون حتى لو حلف لا يدخل دار فلان فدخل دار عبده عند محمد رحمه الله تعالى يحنث ; لأن حقيقة هذه الإضافة للملك ، وكسب العبد مملوك لمولاه وعندهما : الإضافة إلى المولى مجاز ، وإلى العبد حقيقة ; لأنه كسبه قال صلى الله عليه وسلم { من باع عبدا ، وله مال } والدليل عليه أنه يستقيم أن تنفي عن المولى فيقال : هذه ليست بداره بل هي دار عبده ، والعبرة للإضافة لا للملك ، ألا ترى أنه لو دخل دارا يسكنها فلان عارية ، أو إجارة كان حانثا إذا عرفنا هذا فنقول : أما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فالمولى لا يملك كسب العبد إذا كان عليه دين حتى لو أعتقه بعينه لم يعتق فكذلك بمطلق كلامه ، وإن نواه فإن لم يكن عليه دين فهو غير مضاف إليه مطلقا فلا يعتق بمطلق كلامه ، إلا أن ينويه فإن نواه عتق ; لأن المنوي من محتملات كلامه ، وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى هو مالك له سواء كان عليه دين أو لم يكن إلا أنه غير مضاف إليه مطلقا فلا يدخل في كلامه إلا أن ينويه .

وعند محمد رحمه الله تعالى الإضافة باعتبار الملك ، وهو مملوك له سواء كان عليه دين ، أو لم يكن فيعتق بإيجابه إلا أن يستثنيه بنية فيعمل استثناؤه ; لأنه نوى المضاف إليه من كل وجه ، وهذا مضاف إليه ملكا ، ولكنه مضاف إلى عبده كسبا ، أو نوى تخصيص لفظه العام فتعمل نيته فيما بينه ، وبين الله تعالى ، ولهذا لا يصدق [ ص: 83 ] في القضاء ، وإذا دعا عبده سالما فأجابه مرزوق فقال : أنت حر ، ولا نية له عتق الذي أجابه ; لأنه أتبع الإيقاع الجواب فيصير مخاطبا للمجيب ، وإن قال عنيت سالما عتق سالم بنيته لكون المنوي من محتملات كلامه ، ولكنه لا يصدق في القضاء في صرف العتق عن مرزوق ; لأن الإيقاع تناوله في الظاهر فلا يدين في صرفه عنه في القضاء وهو مدين فيما بينه ، وبين الله تعالى ، وإن قال : يا سالم أنت حر ، وأشار إلى شخص ظنه سالما ، فإذا هو عبد آخر له ، أو لغيره عتق عبده سالم ; لأنه أتبع الإيقاع النداء فتناول المنادى خاصة ، ولا معتبر لظنه فإن الظن لا يغني من الحق شيئا ، وإذا أعتق الرجل عبده ، أو أمته ثم جحد العتق حتى أصاب من الخدمة والغلة ما أصاب ، ثم أقر به أوقامت عليه البينة فليس عليه في الخدمة شيء ; لأنه مجرد استيفاء المنفعة ، ولا تتقوم المنفعة إلا بعقد ، ألا ترى أنه لو غصب حرا فاستخدمه لم يكن عليه شيء سوى المأثم عندنا فهذا مثله بل عينه .

; لأنها تبين أنها كانت حرة حين استخدمها ، ويرد عليها ما أصاب من غلتها ، ومراده إذا كانت هي التي أجرت نفسها ، أو اكتسبت ; لأنه تبين أنها كانت حرة مالكة لكسبها فعلى المولى أن يرد عليها ما أخذ منها ، وإن كان هو الذي أجرها فما أخذ من الغلة يكون مملوكا له ; لأنه وجب بعده ، ولكن لا يطيب له ; لأنه حصل له بكسب خبيث ، وعليه في الوطء لها - مهر المثل ; لأنه تبين أنه وطئها وهي حرة ، والوطء في غير الملك لا ينفك في حد ، أو مهر ، وقد سقط الحد بالشبهة ; لأنها كانت مملوكة له يومئذ في الظاهر فوجب المهر ، وهذا ; لأن المستوفى بالوطء في حكم العين دون المنفعة ، ولهذا يختص إباحة تناوله بالملك ، ولا يملك بالعقد إلا مؤبدا وإن كان أجنبي جنى عليه ثم أقر المولى أنه كان أعتقه قبل ذلك لم يصدق على إلزام الجاني حكم أرش الحر ; لأن إقراره ليس بحجة في حق الجاني ، وثبوت الحكم بحسب الحجة ، وإقراره حجة عليه خاصة ، فما وجب من أرش المماليك يكون لها ; لأن المولى حول ذلك بإقراره إليها ، وذلك صحيح منه لكونه مقرا به على نفسه ، وإن قامت به بينة لزم الجاني حكم الجناية على الحر ; لأن البينة حجة في حق الكل ، والثابت من الحرية بها قبل الجناية كالثابت معاينة على الحر .

ولم يجز عتق الصبي والمجنون في حال جنونه ; لأن قولهما هدر شرعا خصوصا فيما يضرهما ، ولأن العتق لا ينفذ إلا بقول ملزم لا أنه ملزم في نفسه ، وقولهما غير ملزم شرعا ، وإن أعتق في حال إفاقته جاز ; لأنه مخاطب له قول ملزم ، وهو يملك العبد حقيقة فينفذ عتقه وإن قال أعتقت عبدي ، وأنا صبي ، وأنا نائم فالقول قوله ; لأنه أضاف إقراره إلى [ ص: 84 ] حالة معهودة تنافي إعتاقه فكان إنكارا للعتق معنى ، وإقرارا صورة والعبرة للمعنى دون الصورة ، وكذلك لو قال : أعتقته قبل أن يخلق أو قبل أن أخلق ; لأنه أضاف إلى حالة معهودة تنافي تصور الإعتاق فيكون هذا أبلغ في النفي من الإضافة إلى حالة تنافي الإعتاق شرعا ، وإذا وجب تصديقه هناك فهنا أولى وإذا قال : لعبده أنت حر متى شئت ، أو كلما شئت ، أو ما شئت فقال العبد إلا أشاء ثم باعه ثم اشتراه ثم شاء العتق ، فهو حر ; لأنه علق عتقه بوجود مشيئته في عمره ، ولم يفت ذلك بقوله لا أشاء ; لأنه يتحقق منه المشيئة بعده ، وقوله لا أشاء كسكوته ، أو قيامه عن المجلس ، ولا يجعل قوله لا أشاء ردا لأصل كلام المولى ; لأن تعليق العتق بالشرط يتم بالمولى فلا يرتد برد العبد ، وإذا بقي التعليق نزل العتق لوجود الشرط بمشيئته .

التالي السابق


الخدمات العلمية