الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو قيد رجل عبده ثم قال إن لم يكن في قيده عشرة أرطال حديد فهو حر ، وإن حل قيده فهو حر فشهد شاهدان أن في قيده خمسة أرطال حديد فقضى القاضي بعتقه ثم حل القيد فإذا فيه عشرة أرطال فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الشهود يضمنون قيمته للمولى ، وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الأول ، وفي قوله الآخر ، وهو قول محمد رحمه الله تعالى لا يضمنون له شيئا ، وهذا بناء على أن القاضي بالعتق بشهادة الزور عند أبي حنيفة رحمه الله ينفذ ظاهرا ، وباطنا وفي قول أبي يوسف رحمه الله الآخر وهو قول محمد رحمه الله تعالى ينفذ ظاهرا لا باطنا ، فتبين أن قضاء القاضي بشهادتهما لم يكن نافذا في الباطن ، وأن [ ص: 97 ] العبد إنما عتق بحل القيد لا بشهادتهما فلا يضمنان عندهما شيئا .

وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إنما عتق العبد بقضاء القاضي لنفوذ قضائه ظاهرا وباطنا ، وقضاء القاضي كان بشهادتهما فلهذا ضمنا قيمته ; لأنا علمنا أنهما شهد بالباطل ( فإن قيل ) هما إنما شهدا بشرط العتق ; لأنهما شهدا بوزن القيد أنه دون عشرة أرطال ، وذلك شرط العتق ، ولا ضمان على شهود الشرط ( قلنا ) لا كذلك بل شهدا بتنجيز العتق ; لأنهما زعما أن المولى علق عتقه بشرط موجود ، والتعليق بشرط موجود يكون تنجيزا حتى يملكه الوكيل بالتنجيز ، وشهود العتق يضمنون عند الرجوع .

( فإن قيل ) قضاء القاضي إنما ينفذ عند أبي حنيفة رحمه الله إذا لم يتيقن ببطلانه فأما بعد التيقن ببطلانه لا ينفذ كما لو ظهر أن الشهود عبيد ، أو كفار ، وهنا قد تيقنا ببطلان الحجة حين كان ، وزن القيد خمسة أرطال ، وبعدما علم كذبهم بيقين لا ينفذ القضاء باطنا فإنما عتق بحل القيد .

( قلنا ) لا كذلك بل نفوذ القضاء عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى باعتبار أنه يسقط عن القاضي تعرف ما لا طريق له إلى معرفته ، وهو حقيقة صدق الشهود ولا يسقط عنه الوقوف على ما يتوصل إليه كفرهم ، ورقهم ; لأن التكليف يثبت بحسب الوسع ، وقد تعذر على القاضي هنا الوقوف على حقيقة ، وزن القيد ; لأنه لا يعرف ذلك إلا بعد أن يحله وإذا حله عتق العبد فيسقط عنه حقيقة معرفة وزن القيد ونفذ قضاؤه بالعتق بشهادتهما ظاهرا ، وباطنا .

( فإن قيل ) لا كذلك فقد يمكنه معرفة وزن القيد قبل أن يحله ، بأن يضع رجلي العبد مع القيد في طست ، ويصب فيه الماء حتى يعلوا القيد ، ثم يجعل على مبلغ الماء علامة ، ثم يرفع القيد إلى ساقه ، ويضع حديدا في الطست إلى أن يصل الماء إلى تلك العلامة ثم يزن ذلك الحديد فيعرف به وزن القيد .

( قلنا ) هذا من أعمال المهندسين ، ولا تنبني أحكام الشرع على مثله مع أنه إنما يعرف وزن القيد بهذا الطريق إذا استوى الحديدان في الثقل ، ولا يعرف ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية