الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. ( قال ) أرأيت لو قال المولى نفسه هذه وديعة عندي للمكاتب أو أقر له بدين مثل الكتابة أو قال قد كنت استوفيت الكتابة قبل موته أكان يصدق في جر ولاء الولد إليه فكذلك غيره وبهذا تبين أنه إن تبرع إنسان عنه بقضاء الدين بعد موته لا يحكم بحريته بخلاف ما ذكره ابن سماعة في نوادره وهذا لأن ذمته بالموت تخرج من أن تكون محلا صالحا لبدل الكتابة فلا بد من خلف يبقى باعتباره والخلف ماله دون أموال الناس عادة فإذا ظهر له مال فقد علمنا بوجود الخلف ، وإذا تبرع إنسان بالأداء فلا يتبين به وجود الخلف وقت موته فلهذا لا يحكم بعتقه في حق موالي الأم ويجعل المقر الوديعة كالمتبرع بالأداء في حقهم ، وإذا ترك المكاتب أم ولد ليس معها ولد بيعت في المكاتبة ، وإن كان معها ولد سعت فيها على الأجل الذي كان للمكاتب صغيرا كان ولدها أو كبيرا ، وإن كان ترك مالا لم يؤخر إلى أجله وصار حالا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى حال أم الولد بغير الولد كحالها مع الولد في جميع ذلك حتى يسعى فيها على الأجل ، وهذا بناء على أن عندهما يمتنع على المكاتب بيع أم ولده إذا ملكها سواء كان معها ولد أو لم يكن ; لأن ثبوت حقها باعتبار نسب الولد ، ونسب الولد ثابت منه سواء ملك الولد معها أو لم يملك ألا ترى أن الحر إذا ملك جارية قد ولدت منه تصير أم ولد له سواء ملك الولد معها أو لم يملك فكذلك المكاتب ولما كان في حال حياته لا يختلف حالها بين أن يكون معها ولد أو لا يكون فكذلك بعد موته وأما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا ملكها في حال حياته مع الولد يمتنع بيعها ، وإذا ملكها بدون الولد لا يمتنع عليه بيعها ; لأن حقها تابع لحق الولد وثبوت التبع بثبوت الأصل فإذا لم يثبت الأصل لا يثبت التبع وهذا لأن حقيقة أمية الولد لا يثبت لها في حال الكتابة ألا ترى أنه لو عجز المكاتب كانت هي أمة قنة للمولى بخلاف الحر فإن حقيقة أمية الولد يثبت لها وبدخولها في ملك المكاتب لا تصير داخلة في كتابته تبعا بدليل أنها لا تعتق بعتقه فعرفنا أن امتناع البيع إنما يثبت فيها تبعا لثبوته في الولد فإذا لم يثبت في الولد بأن لم يملك الولد معها لا يثبت فيها وإذا ثبت هذا في حياته فكذلك بعد [ ص: 219 ] الموت ، والولد المولود في الكتابة هو الأصل في بقاء الأجل بوجوده فإذا لم يكن معها الولد يثبت الأجل في حقها تبعا ويسعى على النجوم ، وإذا لم يكن معها الولد لا يثبت الأجل في حقها فتباع في المكاتبة ثم الولد خلف عن المال ; لأن المال كسب المكاتب حقيقة فأما كسب الولد فهو قائم مقام كسب المكاتب في أداء البدل منه فلهذا كان المعتبر هو المال إذا خلف مالا ، وباعتبار المال لا يبقى الأجل حالا وجد الولد أو لم يوجد وهذا لأنه لا منفعة للميت ولا لولده في إبقاء الأجل إذا ترك وفاء وينتفعون ببقاء الأجل إذا لم يترك وفاء ليكتسب ولده فيؤدي ، وإذا ترك المكاتب ولدين ولدا له في المكاتبة وعليه دين ومكاتبة سعيا في جميع ذلك لقيامهما مقام الأب وأيهما أداه لم يرجع على صاحبه بشيء ; لأن كسبه لأبيه ما لم يحكم بعتقه فيجعل أداؤه من كسبه كأدائه من مال أبيه ، وأيهما أعتقه المولى عتق كما لو أعتقه في حياة أبيه وعلى الآخر أن يسعى في جميع المكاتبة التي بقيت على الأب ; لأن الولد الذي عتق قد استغنى عن أداء بدل الكتابة فيجعل كالمعدوم والآخر محتاج إلى بدل الكتابة فكأن المكاتب لم يخلف إلا إياه فيسعى في جميع المكاتبة وللغرماء أن يأخذوا أيهما شاءوا بجميع الدين ; لأنهما جميعا مال الميت وقد تعلق حق الغرماء بكل واحد منهما ألا ترى أنهما لو عجزا جميعا بدئ بقضاء الدين منهما وإعتاق المولى أحدهما معتبر في إسقاط حقه عنه غير معتبر في إسقاط حق الغرماء عن كسبه فلهذا كان لهم أن يأخذوا أيهما شاءوا بجميع الدين ولا يرجع الذي يؤدي منهما على صاحبه ; لأن أداءه من مال الميت حكما فكأنه أدى من مال الميت حقيقة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب .

التالي السابق


الخدمات العلمية