الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : وإذا حلف الذمي أن لا يقرب امرأته فهو على ثلاثة أوجه : في وجه يكون موليا بالاتفاق ، وهو ما إذا حلف بطلاق أو عتاق ; لأن العتق والطلاق يصح منه كما يصح من المسلم ، وفي وجه لا يكون موليا بالاتفاق ، وهو ما إذا حلف بحج أو صوم أو صدقة ; لأن التزام هذه الأشياء منه لا يصح ; لأنها قربة وطاعة وما فيه من الشرك يخرجه من أن يكون أهلا لذلك وقع في بعض الكتب عن الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - أن الإيلاء منه بالحج صحيح في حكم الطلاق ، وإن لم يصح في حكم التزام الحج ; لأن أحد الحكمين ينفصل عن الآخر عنده كما في اليمين بالله تعالى ، ولا يعتمد على هذه الرواية فأما إيلاؤه في اليمين بالله تعالى ينعقد في حكم الطلاق عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، حتى لو تركها أربعة أشهر بانت بالإيلاء ولو قربها لم تلزمه الكفارة ، وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - هذا بمنزلة القسم الثاني ; لأنه يملك قربانها في المدة من غير أن يلزمه [ ص: 36 ] شيء فلا يتحقق معنى الإيلاء ، وهو قصد الإضرار بمنع حقها في الجماع ، وهذا ; لأن حرمة اليمين بالله تعالى لوجوب تعظيم المقسم به ومع الشرك لا يتحقق منه هذا التعظيم كما لا يتحقق منه هذا الالتزام التزام الحج والصوم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : إنه من أهل اليمين بالله تعالى فإن فيها ذكر اسم الله تعالى على سبيل التعظيم ، وذلك صحيح معتبر من الذمي حتى تحل ذبيحة الكتابي إذا ذكر اسم الله تعالى وكذلك يستحلف في المظالم والخصومات بالله تعالى ، وقد جعل الله تعالى للكفار أيمانا بقوله تعالى : { ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم } وقوله تعالى { وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم } وإذا ثبت أنه من أهل اليمين صار هو بحيث لا يملك قربانها إلا بحنث يلزمه فيكون موليا ثم يترتب على هذا الحنث ، وجوب الكفارة وهو ليس من أهلها ، ولكن حكم الطلاق ينفصل عن حكم الكفارة في الإيلاء كما لو قال لأربع نسوة له : لا أقربكن يكون موليا من كل واحدة منهن وإن كان لو قرب ثلاثا منهن لا يلزمه شيء ; ولأن لهذه اليمين حكمين . أحدهما الطلاق وهو من أهله والآخر الكفارة ، وهو ليس من أهلها ، وكل واحد من الحكمين مقصود بهذا اليمين فامتناع ثبوت أحد الحكمين لانعدام الأهلية لا يمنع ثبوت الحكم الثاني مع وجود الأهلية .

التالي السابق


الخدمات العلمية