الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) ولو كانت الجارية مجهولة لا تعرف لمن كانت فقال أب الولد زوجتماني وقالا بعناكها فهي أم ولد له وابنها حر ; لأنها في الظاهر مملوكته فصارت أم ولد وكان ولدها حرا باعتبار الظاهر ولا يصدق هو في الإقرار أنها لغيره فيما يرجع إلى إبطال حقها ويكون على الواطئ القيمة لهما ; لأن إقراره صحيح في حق نفسه وقد زعم أنها مملوكة لهما في يده وقد تعذر عليه ردها عليهما فيغرم قيمتها لهذا ولا يسقط حقهما عن هذه القيمة إقرارهما بالبيع ; لأن البيع لم يثبت حين كذبهما ولأن تعذر الاسترداد لم يكن بإقرارهما بالبيع . ألا ترى أنهما وإن جحدا البيع والنكاح جميعا لم يكن لهما حق الاسترداد ثم قال في نسخ أبي سليمان رحمه الله ، وكذلك لو كانت معروفة بأنها لهما وهذا غلط والصواب ما ذكر في نسخ أبي حفص رضي الله عنه ونوادر هشام قال ولو كانت معروفة بأنها لهما كان عليه العقر وهذا لأن تعذر الاسترداد هنا بإقرارهما بالبيع . ألا ترى أنهما لو أنكرا البيع والتزويج كانت أمة قنة لهما فيكون إقرارهما بالبيع مانعا لهما من الاسترداد فلهذا لم يكن لهما أن يضمناه قيمتها وإنما وجب عليه العقر لإقراره بالوطء في ملك الغير وقد سقط الحد عنه بدعوى النكاح فيلزمه العقر ( قال ) وإذا ادعى الواطئ الهبة وادعيا هما بالبيع والجارية مجهولة لا يدرى لمن كانت فهي أم ولد له باعتبار الظاهر لما بينا وعليه قيمتها لهما ; لأن الهبة لم تثبت لإنكارهما والبيع لم يثبت بإنكاره إلا أن تعذر الاسترداد ما كان بإقرارهما بالبيع على ما بينا بل باستهلاكه جارية زعم أنها لهما فيضمن قيمتها لهما .

( قال ) وإن قالا غصبتها وقال صدقتما وهي مجهولة لم يصدق عليها بعد الذي دخلها من العتق باعتبار الظاهر وعليه قيمتها ; لأنه أقر بغصبها منهما وقد تعذر ردها عليهما بما ثبت فيها من أمية الولد ( قال ) وإن صدقتهم بذلك صدقت وكانت أمة لهما ; لأن الحق لها فإن تصادقوا على شيء ثبت ذلك بتصادقهم وفي رواية أبي حفص وهشام رضي الله عنهما قال لا تصدق بعد العتق ; لأنها صارت أم ولد لمن هي في يديه باعتبار الظاهر وكما لا يقبل قولها في إبطال حقيقة العتق بعد ما حكم بثبوته فكذلك لا يقبل قولها في إبطال حق العتق لما في ذلك من حق الشرع ( قال ) ولو كانت لهما بينة عليها أخذاها وولدها رقيق لهما ; لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة فظهر أنه غاصب زنى بجارية مغصوبة فعليه الحد إن لم يدع الشبهة وإن ادعى بيعا أو هبة أو [ ص: 166 ] نكاحا سقط الحد عنه لتمكن الشبهة فقد آل الأمر إلى الخصومة والاستحلاف ، والحد بمثله يسقط ولكن لا يثبت النسب ; لأن بمجرد دعواه لم يثبت له في هذا المحل ملك ولا حق ملك وثبوت النسب ينبني على ذلك .

( قال ) وإن ملكها يوما مع ولدها كانت أم ولد له وكان الولد ولده ; لأن إقراره صحيح في حق نفسه وإنما لم يصح لقيام حق الغير في المحل فإذا زال بملكه إياها كان كالمجدد للإقرار في هذه الحالة فيثبت نسب الولد منه ; لأنه ادعاه بسبب صحيح محتمل فيكون الولد حرا والجارية أم ولده والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب

التالي السابق


الخدمات العلمية