فصل في كري الأنهار قال رضي الله عنه : ثلاثة : نهر غير مملوك لأحد ولم يدخل ماؤه في المقاسم بعد الأنهار كالفرات ونحوه ، [ ص: 82 ] ونهر مملوك دخل ماؤه في القسمة إلا أنه عام . ونهر مملوك دخل ماؤه في القسمة وهو خاص . والفاصل بينهما استحقاق الشفة به وعدمه . فالأول كريه على السلطان من بيت مال المسلمين ; لأن منفعة الكري لهم فتكون مؤنته عليهم ، ويصرف إليه من مؤنة الخراج والجزية دون العشور والصدقات ; لأن الثاني للفقراء والأول للنوائب ، فإن لم يكن في بيت المال شيء فالإمام يجبر الناس على كريه إحياء لمصلحة العامة إذ هم لا يقيمونها بأنفسهم ، وفي مثله قال رضي الله عنه : : لو تركتم لبعتم أولادكم ، إلا أنه يخرج له من كان يطيقه ويجعل مؤنته على المياسير الذين لا يطيقونه بأنفسهم . عمر
وأما الثاني فكريه على أهله على بيت المال ; لأن الحق لهم والمنفعة تعود إليهم على الخصوص والخلوص ، ومن أبى منهم يجبر على كريه دفعا للضرر العام وهو ضرر بقية الشركاء وضرر الآبي خاص ويقابله عوض فلا يعارض به ; ولو أرادوا أن يحصنوه خيفة الانبثاق وفيه ضرر عام كغرق الأراضي وفساد الطرق يجبر الآبي ، وإلا فلا لأنه موهوم بخلاف الكري ; لأنه معلوم . وأما الثالث وهو الخاص من كل وجه فكريه على أهله لما بينا ثم قيل يجبر الآبي كما في الثاني . وقيل لا يجبر ; لأن كل واحد من الضررين خاص . ويمكن دفعه عنهم بالرجوع على الآبي بما أنفقوا فيه إذا كان بأمر القاضي فاستوت الجهتان ، بخلاف ما تقدم ، ولا يجبر لحق [ ص: 83 ] الشفة كما إذا امتنعوا جميعا ومؤنة كري النهر المشترك عليهم من أعلاه ، فإذا جاوز أرض رجل رفع عنه وهذا عند رحمه الله . وقالا : هي عليهم جميعا من أوله إلى آخره بحصص الشرب والأرضين ; لأن لصاحب الأعلى حقا في الأسفل لاحتياجه إلى تسييل ما فضل من الماء فيه . وله أن المقصد من الكري الانتفاع بالسقي ، وقد حصل لصاحب الأعلى فلا يلزمه إنفاع غيره ، وليس على صاحب السيل عمارته كما إذا كان له مسيل على سطح غيره ، كيف وأنه يمكنه دفع الماء عن أرضه بسده من أعلاه ، ثم إنما يرفع عنه إذا جاوز أرضه كما ذكرناه ، وقيل إذا جاوز فوهة نهره ، وهو مروي عن أبي حنيفة رحمه الله . محمد
والأول أصح ; لأن له رأيا في اتخاذ الفوهة من أعلاه وأسفله ، فإذا جاوز الكري أرضه حتى سقطت عنه مؤنته قيل له أن يفتح الماء ليسقي أرضه لانتهاء الكري في حقه ، وقيل ليس له ذلك ما لم يفرغ شركاؤه نفيا لاختصاصه ، وليس على أهل الشفة من الكري شيء ; لأنهم لا يحصون ولأنهم أتباع .