الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا شهد رجلان لرجلين على ميت بدين [ ص: 514 ] ألف درهم وشهد الآخران للأولين بمثل ذلك جازت شهادتهما ، فإن كانت شهادة كل فريق للآخر بوصية ألف درهم لم تجز ) وهذا قول أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : لا تقبل في الدين أيضا . وأبو حنيفة فيما ذكر الخصاف مع أبي يوسف . وعن أبي يوسف مثل قول محمد . وجه القبول أن الدين يجب في الذمة وهي قابلة لحقوق شتى فلا شركة ، ولهذا لو تبرع أجنبي بقضاء دين أحدهما ليس للآخر حق المشاركة . وجه الرد أن الدين بالموت يتعلق بالتركة إذ الذمة خربت بالموت ، ولهذا لو استوفى أحدهما حقه من التركة يشاركه الآخر فيه فكانت الشهادة مثبتة حق الشركة فتحققت التهمة ، بخلاف حال حياة المديون لأنه في الذمة لبقائها لا في المال فلا تتحقق الشركة .

التالي السابق


( قوله وإذا شهد رجلان لرجلين على ميت إلى آخر الفصل ) قال في العناية : جنس [ ص: 514 ] هذه المسائل أربعة أوجه : الأول ما اختلفوا فيه وهو الشهادة بالدين . والثاني ما اتفقوا على عدم جوازه وهو الشهادة بالوصية بجزء شائع من التركة كالشهادة بألف مرسلة أو بثلث المال . والثالث ما اتفقوا على جوازه وهو أن يشهدا لرجلين بجارية ويشهد المشهود لهما للشاهدين بوصية عبد . والرابع وهو المذكور في الكتاب آخرا هو أن يشهدا لرجلين بعين ويشهد المشهود لهما للشاهدين بألف مرسلة أو بثلث المال ، ومبنى ذلك كله على تهمة الشركة ، فما ثبت فيه التهمة لا تقبل الشهادة فيه وهو الثاني والرابع ، وما لم يثبت فيه التهمة قبلت كما في الثالث على ما ذكر في الكتاب .

وأما الوجه الأول فقد وقع الاختلاف فيه بناء على ذلك أيضا انتهى . أقول : تقسيم صاحب العناية وتقريره هنا مختل ; لأنه إن أراد بالأوجه الأقسام الكلية فهي ثلاثة لا غير : أحدها ما اتفقوا على جوازه . وثانيها ما اتفقوا على عدم جوازه . وثالثها ما اختلفوا فيه . وما عده وجها رابعا داخل في القسم الثاني لا محالة . وإن أراد بها الأمثلة فهي خمسة لا أربعة كما يدل عليه عبارة الكتاب ، فلا وجه لجعل الاثنين منها وجها واحدا ، على أن قوله الأول ما اختلفوا فيه ، والثاني ما اتفقوا على عدم جوازه ، والثالث ما اتفقوا على جوازه لا يساعد كون مراده بالأوجه هو الأمثلة ، بل يقتضي كون مراده بها هو الأقسام الكلية المذكورة كما لا يخفى .

ثم إن صاحبي النهاية والكفاية وإن ذهبا أيضا إلى كون الأوجه في جنس هذه المسائل الأربعة ، إلا أن تقريرهما لا ينافي كون المراد بالأوجه هو الأمثلة والمسائل دون الأقسام الكلية والأصول كما ينافيه تقرير صاحب العناية فإنهما قالا فيه : وجنس هذه المسائل على أربعة أوجه : في الوجه الأول تقبل الشهادة بالإجماع ، وهو أن يشهد الرجلان بوصية عين لرجلين كالعبد ويشهد الموصى لهما لهذين الشاهدين بوصية عين أخرى كالجارية لأنه لا شركة للمشهود فيه فلا تتمكن التهمة . وفي الوجه الثاني لا تقبل بالإجماع ، هو أن يشهد الرجلان بالوصية بجزء شائع كالوصية بثلث ماله ويشهد المشهود لهما للشاهدين بألف مرسلة أيضا .

وفي الوجه الثالث لا تقبل أيضا . وهو أن يشهد الرجلان أن الميت أوصى لهذين الرجلين بعين كالعبد ويشهد المشهود لهما أن الميت أوصى للشاهدين الأولين بثلث ماله ، لأن الشهادة [ ص: 515 ] مثبتة للشركة . وفي الوجه الرابع اختلفوا فيه ، وهو الشهادة بالدين انتهى تدبر تفهم . ثم إن الحق أن تثلث القسمة هنا كما فعله الفقيه أبو الليث في كتاب نكت الوصايا حيث قال : وإذا شهد أربعة نفر شهد هذان لهذين وهذان لهذين على الميت فإن هذا على ثلاثة أوجه : في وجه تقبل شهادتهما بالاتفاق ، وفي وجه لا تقبل بالاتفاق ، وفي وجه اختلفوا فيه ، ثم فصل كل وجه بأمثلته ودليله . وكما فصله شمس الأئمة السرخسي في شرح الكافي للحاكم الشهيد حيث قال : وهاهنا ثلاثة فصول : أحدها ما لا تقبل فيه الشهادة بالاتفاق ، والثاني ما تقبل فيه الشهادة بالاتفاق ، والثالث ما اختلفوا فيه بين كل واحد منها تأمل




الخدمات العلمية