الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإن كان الميت أوصى بحجة فقاسم في الورثة فهلك ما في رضي الله تعالى عنه يده حج عن الميت من ثلث ما بقي ، وكذلك إن دفعه إلى رجل ليحج [ ص: 507 ] عنه فضاع في يده ) وقال أبو يوسف : إن كان مستغرقا للثلث لم يرجع بشيء ، وإلا يرجع بتمام الثلث . وقال محمد : لا يرجع بشيء لأن القسمة حق الموصي ، ولو أفرز الموصي بنفسه مالا ليحج عنه فهلك لا يلزمه شيء وبطلت الوصية ، فكذا إذا أفرزه وصيه الذي قام مقامه . ولأبي يوسف أن محل الوصية الثلث فيجب تنفيذها ما بقي محلها ، وإذا لم يبق بطلت لفوات محلها . ولأبي حنيفة أن القسمة لا تراد لذاتها بل لمقصودها وهو تأدية الحج فلم تعتبر دونه وصار كما إذا هلك قبل القسمة فيحج بثلث ما بقي ، ولأن تمامها بالتسليم إلى الجهة المسماة ، إذ لا قابض لها ، فإذا لم يصرف إلى ذلك الوجه لم يتم فصار كهلاكه قبلها . .

التالي السابق


( قوله وإن كان الميت أوصى بحجة فقاسم الورثة فهلك ما في يده إلخ ) قال صاحب النهاية في شرح [ ص: 507 ] هذا المحل : وإن كان الميت أوصى بحجة فقاسم الورثة : أي قاسم الوصي الورثة فهلك ما في يده : أي ما في يد الحاج فالوصي والحاج مدلول عليهما غير مذكور بهما . واقتفى أثره صاحب معراج الدراية . أقول : ليس هذا الشرح بصحيح ، إذ لو رجع ضمير ما في يده إلى الحاج فصار المعنى فهلك ما في يد الحاج كما صرح به الشارحان المذكوران لزم أن يكون قوله فيما بعد وكذلك إن دفعه إلى رجل ليحج عنه فضاع من يده مستدركا محضا كما لا يخفى . والصواب أن ضمير ما في يده في قوله فهلك ما في يده راجع إلى الوصي ، فحينئذ ينتظم المعنى ولا يلزم الاستدراك في قوله الآتي كما ترى .

( قوله وقال محمد : لا يرجع بشيء لأن القسمة حق الموصي ، ولو أفرز الموصي بنفسه مالا ليحج عنه فهلك لا يلزمه شيء وبطلت الوصية ، فكذلك إذا أفرزه وصيه الذي قام مقامه ) قال بعض المتأخرين : قلت هذا قياس مع الفارق ، لأن الموصي غير ملزم بشيء إذ له الرجوع عن الوصية رأسا ، فلا يلزم من عدم لزوم شيء لهذا عدم لزومه لذاك انتهى . أقول : ليس هذا بشيء ، فإن الموصي وإن لم يكن ملزما بشيء في حال حياته إلا أنه تلزم وصيته بعد مماته فتنفذ من ثلث تركته ألبتة ، والمراد بما ذكر في دليل محمد هو أن الموصي لو أفرز بنفسه مالا ليحج عنه فهلك ذلك المال لا يؤخذ بشيء من تركته بعد مماته بل تبطل وصيته أصلا . وقد أفصح عنه صاحب الغاية حيث قال في تقريره : وأما مذهب محمد فهو أن دفع الوصي بمنزلة دفع الميت ، ولو أن الميت هو الذي دفع [ ص: 508 ] قبل موته إلى رجل مالا ليحج عنه فسرق المال لا يؤخذ من تركته مرة أخرى ، كذلك هذا انتهى . فكأن ذلك القائل فهم من ظاهر قول المصنف في تقرير دليل محمد لا يلزمه شيء أن يكون المراد أنه لا يؤخذ من نفس الموصي شيء في حال حياته فوقع [ ص: 509 ] فيما وقع




الخدمات العلمية