الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولو وطئت رجلا في سيرها وقد نخسها الناخس بإذن الراكب فالدية عليهما نصفين جميعا [ ص: 336 ] إذا كانت في فورها الذي نخسها ) لأن سيرها في تلك الحالة مضاف إليهما ، والإذن يتناول فعله من حيث السوق ولا يتناوله من حيث إنه إتلاف ، فمن هذا الوجه يقتصر عليه ، والركوب وإن كان علة للوطء فالنخس ليس بشرط لهذه العلة بل هو شرط أو علة للسير والسير علة للوطء وبهذا لا يترجح صاحب العلة ، كمن جرح إنسانا فوقع في بئر حفرها غيره على قارعة الطريق ومات فالدية عليهما لما أن الحفر شرط علة أخرى دون علة الجرح كذا هذا . ثم قيل : يرجع الناخس على الراكب بما ضمن في الإيطاء لأنه فعله بأمره . وقيل : لا يرجع وهو الأصح فيما أراه ، لأنه لم يأمره بالإيطاء والنخس ينفصل عنه ، وصار كما إذا أمر صبيا يستمسك على الدابة بتسييرها فوطئت إنسانا ومات حتى ضمن عاقلة الصبي فإنهم لا يرجعون على الآمر لأنه أمره بالتسيير والإيطاء ينفصل عنه ، وكذا إذا ناوله سلاحا فقتل به آخر حتى ضمن لا يرجع على الآمر ، ثم الناخس إنما يضمن إذا كان الإيطاء في فور النخس حتى يكون السوق مضافا إليه ، وإذا لم يكن في فور ذلك فالضمان على الراكب لانقطاع أثر النخس فبقي السوق مضافا إلى الراكب على الكمال .

التالي السابق


( قوله ولو وطئت رجلا في سيرها وقد نخسها الناخس بإذن الراكب فالدية عليهما جميعا [ ص: 336 ] إذا كانت في فورها الذي نخسها ، لأن سيرها في تلك الحالة مضاف إليهما ) أقول : ولقائل أن يقول : الراكب مباشر فيما أتلف بالوطء لحصول التلف بثقله وثقل الدابة جميعا كما صرحوا به ، والناخس مسبب كما مر في الكتاب ، وإذا اجتمع المباشر والمسبب فالإضافة إلى المباشر أولى كما صرحوا به سيما في مسألة الراكب والسائق ، فما بالهم جزموا هنا بإضافة الفعل إلى الراكب والناخس معا وحكموا بوجوب الدية عليهما جميعا فتدبر .

( قوله والإذن يتناول فعله من حيث السوق ولم يتناوله من حيث إنه إتلاف فمن هذا الوجه يقتصر عليه ) قال في النهاية : أي يقتصر الضمان على الناخس . أقول : ليس هذا بشرح صحيح ، إذ مقتضى هذا الوجه وهو حيثية كون فعل الناخس إتلافا أن يكون الناخس متعديا بكونه مسببا لجناية الدابة ، ولا يلزم منه أن لا يوجد هناك مسبب آخر أو مباشر حتى يلزم اقتصار الضمان على الناخس وقد وجد في مسألتنا ، فإن الراكب فيها مباشر ، ولا أقل من أن يكون أيضا مسببا فلا يقتصر الضمان على الناخس بل يجب عليه وعلى الراكب جميعا كما هو جواب المسألة . فالصواب أن مراد المصنف بقوله فمن هذا الوجه يقتصر عليه : أي فمن هذا الوجه يقتصر فعل الناخس وهو النخس على الناخس : أي لا ينتقل إلى الآمر وهو الراكب ، كما ينتقل إليه من وجه آخر وهو حيثية كونه سوقا كما في المسألة الأولى ، فحينئذ ينتظم الكلام ويتم المرام كما لا يخفى على ذوي الأفهام .




الخدمات العلمية