الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا رمى صيدا فقطع عضوا منه أكل الصيد ) لما بيناه ( ولا يؤكل العضو ) وقال الشافعي رحمه الله : أكل إن مات الصيد منه ; لأنه مبان بذكاة الاضطرار فيحل المبان والمبان منه كما إذا أبين الرأس بذكاة الاختيار بخلاف ما إذا لم يمت ; لأنه ما أبين بالذكاة

ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { ما أبين من الحي فهو ميت } ذكر الحي مطلقا فينصرف إلى الحي حقيقة وحكما ، والعضو المبان بهذه الصفة ; لأن المبان منه حي حقيقة لقيام الحياة فيه ، وكذا حكما ; لأنه تتوهم سلامته بعد هذه الجراحة ولهذا اعتبره الشرع حيا ، حتى لو وقع في الماء وفيه حياة بهذه الصفة يحرم

وقوله أبين بالذكاة قلنا حال وقوعه لم يقع ذكاة لبقاء الروح في الباقي ، وعند زواله لا يظهر في المبان لعدم الحياة فيه ، ولا تبعية لزوالها بالانفصال فصار هذا الحرف هو الأصل ; لأن المبان من الحي حقيقة وحكما لا يحل ، والمبان من الحي صورة لا حكما يحل وذلك بأن يبقى في المبان منه حياة بقدر ما يكون [ ص: 132 ] في المذبوح فإنه حياة صورة لا حكما ، ولهذا لو وقع في الماء وبه هذا القدر من الحياة أو تردى من جبل أو سطح لا يحرم فتخرج عليه المسائل ، فنقول : إذا قطع يدا أو رجلا أو فخذا أو ثلثه مما يلي القوائم أو أقل من نصف الرأس يحرم المبان ويحل المبان منه ; لأنه يتوهم بقاء الحياة في الباقي ( ولو قده بنصفين أو قطعه أثلاثا والأكثر مما يلي العجز أو قطع نصف رأسه أو أكثر منه يحل المبان والمبان منه ) ; لأن المبان منه حي صورة لا حكما ; إذ لا يتوهم بقاء الحياة بعد هذا الجرح ، والحديث وإن تناول السمك وما أبين منه فهو ميت ، إلا أن ميتته حلال بالحديث الذي رويناه

التالي السابق


( قوله ولنا قوله صلى الله عليه وسلم { ما أبين من الحي فهو ميت } ذكر الحي مطلقا فينصرف إلى الحي حقيقة وحكما ، والعضو المبان بهذه الصفة ) قال الشراح : يعني أنه ذكر الحي مطلقا والمطلق ينصرف إلى الكامل ، والكامل هو الحي حقيقة وحكما والعضو [ ص: 132 ] المبان بهذه الصفة : أي أبين من الحي حقيقة وحكما

أقول : المقدمة القائلة : إن المطلق ينصرف إلى الكامل شائعة في ألسنة الفقهاء وكتب أصحابنا لكنها مخالفة في الظاهر لما تقرر في أصول أئمتنا من أن حكم المطلق أن يجري على إطلاقه ، كما أن المقيد يجري [ ص: 133 ] على تقييده فتأمل في التوفيق




الخدمات العلمية