الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 398 ] ولو قتل عشرة رجلا خطأ فعلى كل واحد عشر الدية في ثلاث سنين اعتبارا للجزء بالكل إذ هو بدل النفس ، وإنما يعتبر مدة ثلاث سنين من وقت القضاء بالدية لأن الواجب الأصلي المثل والتحول إلى القيمة بالقضاء فيعتبر ابتداؤها من وقته كما في ولد المغرور .

قال ( ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته ) لأن نصرته بهم وهي المعتبرة في التعاقل . قال ( وتقسم عليهم في ثلاث سنين لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنة وينتقص منها ) قال رضي الله عنه : كذا ذكره القدوري رحمه الله في مختصره ، وهذا إشارة إلى أنه يزاد على أربعة من جميع الدية ، وقد نص محمد رحمه الله على أنه لا يزاد على كل واحد من جميع الدية في ثلاث سنين على ثلاثة أو أربعة فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهم أو درهم وثلث درهم وهو الأصح .

قال ( وإن لم يكن تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل ) معناه : نسبا كل ذلك لمعنى التخفيف ويضم الأقرب [ ص: 399 ] فالأقرب على ترتيب العصبات : الإخوة ثم بنوهم ، ثم الأعمام ثم بنوهم . وأما الآباء والأبناء فقيل يدخلون لقربهم ، وقيل لا يدخلون لأن الضم لنفي الحرج حتى لا يصيب كل واحد أكثر من ثلاثة أو أربعة ، وهذا المعنى إنما يتحقق عند الكثرة والآباء والأبناء لا يكثرون ، وعلى هذا حكم الرايات إذا لم يتسع لذلك أهل راية ضم إليهم أقرب الرايات : يعني أقربهم نصرة إذا حزبهم أمر الأقرب فالأقرب ، ويفوض ذلك إلى الإمام لأنه هو العالم به ، ثم هذا كله عندنا ، وعند الشافعي رحمه الله يجب على كل واحد نصف دينار فيسوى بين الكل لأنه صلة فيعتبر بالزكاة وأدناها ذلك إذ خمسة دراهم عندهم نصف دينار ، ولكنا نقول : هي أحط رتبة منها ; ألا ترى أنها لا تؤخذ من أصل المال فينتقص منها تحقيقا لزيادة التخفيف .

التالي السابق


( قوله ولو قتل عشرة رجلا خطأ فعلى كل واحد عشر الدية في ثلاث سنين اعتبارا للجزء بالكل ) أقول : قد مر في كتاب الجنايات أنه إذا قتل جماعة واحدا عمدا اقتص من جميعهم ، وقالوا في بيان وجهه : إن كل واحد منهم قاتل بوصف الكمال ، لأن القتل لا يتجزأ فجاء التماثل بين الواحد والجماعة من هذه الحيثية فوجب القصاص على جميعهم ، فلقائل أن يقول هنا : فلم لا تجب على كل واحد من العشرة القاتلين واحدا خطأ دية كاملة باعتبار أن كل واحد منهم قاتل بوصف الكمال كما في العمد بناء على أن القتل لا يتجزأ ، وقد مر في كتاب الديات أنه قد روي أن عمر رضي الله عنه قضى بأربع ديات في ضربة واحدة ذهب بها العقل والكلام والسمع والبصر فليتأمل في الفرق ( قوله وإنما يعتبر مدة ثلاث سنين من وقت القضاء بالدية لأن الواجب الأصلي المثل والتحول إلى القيمة بالقضاء فيعتبر ابتداؤه من وقته ) قال الشراح في بيانه [ ص: 399 ] لأن ضمان المتلفات إنما يكون بالمثل بالنص ، ومثل النفس النفس ، إلا أنه إذا رفع إلى القاضي وتحقق العجز عن استيفاء النفس لما فيه من معنى العقوبة وهو مرفوع عن الخاطئ تحول الحق بالقضاء إلى المال انتهى .

أقول : فيه نظر ، لأنهم إن أرادوا أن ضمان المتلفات مطلقا حتى النفس المتلفة بالقتل خطأ إنما يكون بالمثل بالنص فهو ممنوع ، كيف وقد قال الله تعالى { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } الآية ، وهو نص صريح في كون جزاء القتل خطأ تحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله لا قتل القاتل بمقابلة ذاك ، نعم إن قوله تعالى { فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } كان يقتضي بإطلاقه أن يكون الضمان في النفس المتلفة بالقتل خطأ أيضا بالمثل لو لم يكن حكم القتل خطأ مخصصا منه بنص آخر وهو قوله تعالى { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } ولما خص به من ذلك كان جواب الدية في القتل خطأ منصوصا عليه من قبل رب العزة ثابتا قبل القضاء بل قبل أن يخلق القاضي ، وإن أرادوا أن ضمان المتلفات ما عدا النفس إنما يكون بالمثل بالنص فهو مسلم لا محالة ، ولكن لا يجدي شيئا فيما نحن فيه كما لا يخفى ( قوله وقيل لا يدخلون لأن الضم لنفي الحرج حتى لا يصيب كل واحد أكثر من ثلاثة أو أربعة وهذا المعنى إنما يتحقق عند الكثرة ، والآباء والأبناء لا يكثرون ) أقول : فيه كلام ، وهو أن عدم كثرة الآباء مسلم ، وأما عدم كثرة الأبناء ككثرة الإخوة فممنوع ، كيف وأخواته أبناء أبيه ، فإذا جاز أن يكثر أبناء أبيه فلم لا يجوز أن يكثر أبناء نفسه فتأمل .




الخدمات العلمية