الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وما وجب على العاقلة من الدية أو على القاتل بأن قتل الأب ابنه عمدا فهو في ماله ثلاث سنين .

وقال الشافعي رحمه الله : وما وجب على القاتل في ماله فهو حال ، لأن التأجيل للتخفيف لتحمل العاقلة فلا يلحق به العمد المحض .

ولنا أن القياس يأباه والشرع ورد به مؤجلا فلا يتعداه .

التالي السابق


( قوله وما وجب على العاقلة من الدية أو على القاتل بأن قتل الأب ابنه عمدا فهو في ماله في ثلاث سنين ) أقول : هذا التحرير مختل ، إذ الظاهر أن خبر " ما " في قوله وما وجب على العاقلة إنما هو قوله فهو في ماله ، إذ لو كان خبره في ثلاث سنين لم يكن للفاء في قوله فهو في ماله معنى ، بل لم يظهر لضمير هو في قوله فهو في ماله ارتباط بما قبله ، وهذا كله مما لا سترة به عند من له دربة بأساليب الكلام والقواعد الأدبية ، فإن كان خبر " ما " قوله فهو في ماله لم يصح معنى الكلام في المقام ، فإن ما وجب على العاقلة من الدية ليس من مال القاتل بلا ريب .

فالحق في تحرير المقام أن يقال : وما وجب على العاقلة من الدية أو على القاتل في ماله بأن قتل الأب ابنه عمدا فهو في ثلاث سنين ( قوله ولنا أن القياس يأباه ، والشرع ورد به مؤجلا فلا يتعداه ) قال صاحب العناية في شرح قوله إن القياس يأباه : أي القياس يأبى إيجاب المال بمقابلة النفس : يعني لا يقتضيه لأن القياس من حجج الشرع وهي لا تتناقض انتهى .

أقول : ليس هذا بشرح صحيح . أما أولا فلأنه لو كان معنى قول المصنف إن القياس يأباه هو أنه لا يقتضيه لما أثبت دليلنا المذكور هاهنا مدعانا ، فإن إيجاب المال بمقابلة النفس لا يكون حينئذ مخالفا للقياس ، لأن عدم اقتضاء القياس إياه ليس باقتضاء لعدمه ، والمخالفة إنما تتحقق في الثاني دون الأول ، فإذا لم يكن ذلك مخالفا للقياس لم يلزم من ورود الشرع بإيجاب المال في الخطإ مؤجلا أن لا يتعدى غيره ، لأن الذي لا يتعدى مورده إنما هو ما يخالف القياس كما تقرر في علم الأصول . وأما ثانيا فلأنه إن أراد بقوله " وهي " : أي حجج الشرع لا تتناقض أن حججه المعمول بها لا تتناقض فمسلم ، لكن القياس فيما نحن فيه ليس بمعمول به بل هو متروك بالنص الوارد بإيجاب المال فلا محذور في اقتضائه عدم إيجاب المال بمقابلة النفس ، وإن أراد به أن حجج الشرع لا تتناقض مطلقا : أي سواء كانت معمولا بها أو لا فممنوع ، كيف وقد وضعوا في كتب الأصول بابا للمعارضة بين الأدلة الشرعية والترجيح ، وبينوا أحكام ذلك على التفصيل . والعجب من الشارح المزبور أنه رفض هنا عدة من القواعد [ ص: 398 ] الفقهية بلا ضرورة أصلا . ثم قال ذاك الشارح : فإن قيل هذا ليس في معنى الخطإ فلا يلحق به . قلنا : هو في معناه من حيث كونه مالا وجب بالقتل ابتداء . أقول : إن قيد الابتداء في قوله وجب بالقتل ابتداء ينافي ما مر منه في أول كتاب المعاقل فإنه لما قال في الكتاب هناك وكل دية وجبت بنفس القتل على العاقلة ، قال ذلك الشارح وغيره في شرح قوله وجبت بنفس القتل : يعني ابتداء ، وقالوا : يحترز به عن دية تجب بسبب الصلح أو الأبوة في القتل العمد ، فإنها في مال القاتل لا على العاقلة انتهى . ووجه المنافاة غير خاف على ذي مسكة .




الخدمات العلمية