الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولا يؤكل ما أصابته البندقة فمات بها ) ; لأنها تدق وتكسر ولا تجرح فصار كالمعراض إذا لم يخزق ، وكذلك إن رماه بحجر ، وكذا إن جرحه

قالوا : تأويله إذا كان ثقيلا وبه حدة لاحتمال أنه قتله بثقله ، وإن كان الحجر خفيفا وبه حدة يحل لتعين الموت بالجرح ، ولو كان الحجر خفيفا ، وجعله طويلا كالسهم وبه حدة فإنه يحل ; لأنه يقتله بجرحه ، ولو رماه بمروة حديدة ولم تبضع بضعا لا يحل ; لأنه قتله دقا ، وكذا إذا رماه بها فأبان رأسه أو قطع أوداجه ; لأن العروق تنقطع بثقل الحجر كما تنقطع بالقطع فوق الشك أو لعله مات قبل قطع الأوداج ، ولو رماه بعصا أو بعود حتى قتله لا يحل ; لأنه يقتله ثقلا لا جرحا ، اللهم إلا إذا كان له حدة يبضع بضعا فحينئذ لا بأس به ; لأنه بمنزلة السيف والرمح

والأصل في هذه المسائل أن الموت إذا كان مضافا إلى الجرح بيقين كان الصيد حلالا ، وإذا كان مضافا إلى الثقل بيقين كان حراما ، وإن وقع الشك ولا يدري مات بالجرح أو بالثقل كان حراما احتياطا ، وإن رماه بسيف أو بسكين فأصابه بحده فجرحه حل ، وإن أصابه بقفا السكين أو بمقبض السيف لا يحل ; لأنه قتله دقا ، والحديد وغيره فيه سواء

ولو رماه فجرحه ومات بالجرح ، إن كان الجرح مدميا يحل بالاتفاق ، وإن لم يكن مدميا فكذلك عند بعض المتأخرين سواء كانت الجراحة صغيرة أو كبيرة ; لأن الدم قد يحتبس بضيق المنفذ أو غلظ الدم

وعند بعضهم يشترط الإدماء لقوله عليه الصلاة والسلام { ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكل } شرط الإنهار ، وعند بعضهم إن كانت كبيرة [ ص: 131 ] حل بدون الإدماء ، ولو ذبح شاة ولم يسل منه الدم قيل لا تحل وقيل تحل

ووجه القولين دخل فيما ذكرناه

وإذا أصاب السهم ظلف الصيد أو قرنه ، فإن أدماه حل وإلا فلا ، وهذا يؤيد بعض ما ذكرناه

[ ص: 130 ]

التالي السابق


[ ص: 130 ] ( قوله وإن لم يكن مدميا فكذلك عند بعض المتأخرين سواء كانت الجراحة صغيرة أو كبيرة ; لأن الدم قد يحتبس لضيق المنفذ أو غلظ الدم ) أقول : يرد على ظاهر هذا التعليل أنه قد تقرر في كتاب الذبائح أن المقصود بالذبح هو إخراج الدم النجس ، وأن الجرح في أي موضع كان من البدن ذبح اضطراري يصار إليه عند العجز عن الذبح الاختياري وهو الجرح

فيما بين اللبة واللحيين ، وأن في كل من الذبحين إخراج الدم إلا أن الاختياري أعمل فيه من الاضطراري فكون الدم محتبسا لضيق المنفذ أو غلظ الدم لا يقتضي حل أكل المجروح بالرمي بدون الإدماء ، بل يقتضي حرمته بناء على عدم حصول المقصود بالذبح

ويمكن الجواب بأن معنى هذا التعليل أن الدم قد يحتبس لضيق المنفذ أو غلظ الدم فلا يمكن إخراجه ففي اعتبار الإدماء حرج ، فاكتفى بما هو سببه في الغالب وهو الجرح فتأمل ( قوله وعند بعضهم يشترط الإدماء لقوله صلى الله عليه وسلم { ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكل } شرط الإنهار ) أقول : لمانع أن يمنع دلالة الحديث المذكور على شرط الإنهار بناء على عدم القول بمفهوم [ ص: 131 ] المخالفة تدبر تفهم

وطعن فيه صاحب الغاية بوجه آخر حيث قال : وهذا ضعيف عندي ; لأنه كما شرط الإنهار شرط فري الأوداج أيضا

وفي ذكاة الاضطرار لا يشترط فري الأوداج ، فكذا لا يشترط الإنهار انتهى

أقول : ليس هذا بسديد ; لأن عدم اشتراط فري الأوداج في ذكاة الاضطرار للعجز عنه ولزوم الحرج في اشتراطه ، وهذا غير متحقق في الإنهار ; إذ لا عجز عن الجرح بلا ريب ، ثم إن الجرح لا ينفك عن الإنهار في الغالب فلا حرج في اشتراط الإنهار على رأي ذلك البعض فافترقا




الخدمات العلمية