الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن أوصى إلى عبد نفسه وفي الورثة كبار لم تصح الوصية ) لأن للكبير أن يمنعه أو يبيع نصيبه فيمنعه المشتري فيعجز عن الوفاء بحق الوصاية فلا يفيد فائدته وإن كانوا صغارا كلهم فالوصية إليه جائزة عند أبي حنيفة ، ولا تجوز عندهما وهو القياس . وقيل قول محمد مضطرب ، يروي مرة مع أبي حنيفة ، وتارة مع أبي يوسف . وجه القياس أن الولاية منعدمة لما أن [ ص: 501 ] الرق ينافيها ، ولأن فيه إثبات الولاية للمملوك على المالك ، وهذا قلب المشروع ، ولأن الولاية الصادرة من الأب لا تتجزأ ، وفي اعتبار هذه تجزئتها لأنه لا يملك بيع رقبته وهذا نقض الموضوع . وله أنه مخاطب مستبد بالتصرف فيكون أهلا للوصاية ، وليس لأحد عليه ولاية ، فإن الصغار وإن كانوا ملاكا ليس لهم ولاية المنع فلا منافاة ، وإيصاء المولى إليه يؤذن بكونه ناظرا لهم وصار كالمكاتب ، والوصاية قد تتجزأ على ما هو المروي عن أبي حنيفة ، أو نقول : يصار إليه كي لا يؤدي إلى إبطال أصله ، وتغيير الوصف لتصحيح الأصل أولى .

التالي السابق


( قوله وقيل قول محمد مضطرب يروي مرة مع أبي حنيفة ومرة مع أبي يوسف ) قال صاحب العناية : ولنا في هذا القيل نظر ، لأن كبار الثقات المتقدمين على صاحب [ ص: 501 ] الهداية كلهم ذكروا قول محمد مع أبي يوسف بلا اضطراب ، كالطحاوي في مختصره والكرخي في مختصره وأبي الليث في نكت الوصايا والقدوري في التقريب وشمس الأئمة السرخسي في شرح الكافي وصاحب المنظومة فيها وفي شرحها وغيرهم من أصحابنا ا هـ .

أقول : نظره ساقط ، إذ لا يلزم من أن يذكر قول محمد مع أبي يوسف في كتب هؤلاء المشايخ الذين عدهم أن لا يكون قوله مضطربا في نقل أحد أصلا ، كيف وقد قال في المحيط البرهاني : وإن كانت الورثة صغارا كلهم فإن أوصى إلى عبد غيره فالوصية باطلة ، وإن أوصى إلى عبد نفسه فالوصية جائزة في قول أبي حنيفة ، وقال أبو يوسف : إنها باطلة على التفسير الذي قلنا ، وقول محمد في الكتاب مضطرب ذكر في بعض الروايات مع أبي حنيفة وفي بعضها مع أبي يوسف انتهى . نعم الذي وقع في كتب كثير من المشايخ كون قوله مع أبي يوسف ولهذا اختاره المصنف حيث ذكر قوله مع أبي يوسف أولا ، وأشار إلى وقوع رواية أخرى في كلام بعضهم حيث قال : وقيل قول محمد مضطرب فلا غبار فيه .

( قوله وله أنه مخاطب مستبد بالتصرف فيكون أهلا للوصاية وليس لأحد عليه ولاية ، فإن الصغار وإن كانوا ملاكا ليس لهم ولاية المنع فلا منافاة ) قيل : عليه إن لم يكن لهم ذلك ، فللقاضي أن يبيعه فيتحقق المنع والمنافاة . وأجيب بأنه إذا ثبت الإيصاء إليه لم يبق للقاضي ولاية البيع ، كذا [ ص: 502 ] السؤال والجواب في أكثر الشروح ، وعزاهما في النهاية ومعراج الدراية إلى الأسرار . أقول : في هذا الجواب بحث ، لأن عدم بقاء ولاية البيع للقاضي موقوف على جواز الوصية إليه شرعا ، وهو أول المسألة التي نحن فيها والمقام مقام إقامة الدليل عليه من قبل أبي حنيفة رحمه الله ، فلو بنى تمام هذا الدليل عليه لزم المصادرة على المطلوب لا محالة ، فالحق في الجواب عن السؤال المذكور ما نقله صاحب الغاية عن شرح الأقطع حيث قال : وأورد في شرح الأقطع سؤالا وجوابا فقال : فإن قيل : إذا كانوا صغارا فالقاضي يلي على بيعه إذا رأى ذلك . قيل ولاية القاضي على الوصي لا تمنع جواز الوصية ، لأنه يلي على الأحرار مع [ ص: 503 ] وجود الوصية إليهم انتهى




الخدمات العلمية