الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
. قال ( ومن أخرج إلى الطريق الأعظم كنيفا أو ميزابا أو جرصنا أو بنى دكانا فلرجل من عرض الناس أن [ ص: 307 ] ينزعه ) لأن كل واحد صاحب حق بالمرور بنفسه وبدوابه فكان له حق النقض ، كما في الملك المشترك فإن لكل واحد حق النقض لو أحدث غيرهم فيه شيئا فكذا في الحق المشترك . قال : ( ويسع للذي عمله أن ينتفع به ما لم يضر بالمسلمين ) لأن له حق المرور ولا ضرر فيه فليلحق ما في معناه به ، إذ المانع متعنت ، فإذا أضر بالمسلمين كره له ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام { لا ضرر ولا ضرار في الإسلام } قال : ( وليس لأحد من أهل الدرب الذي ليس بنافذ أن يشرع كنيفا أو ميزابا إلا بإذنهم ) لأنها مملوكة لهم ولهذا وجبت الشفعة لهم على كل حال ، فلا يجوز التصرف أضر بهم أو لم يضر إلا بإذنهم . وفي الطريق النافذ له التصرف إلا إذا أضر لأنه يتعذر الوصول إلى إذن الكل ، فجعل في حق كل واحد كأنه هو المالك وحده حكما كي لا يتعطل عليه طريق الانتفاع ، ولا كذلك غير النافذ لأن الوصول إلى إرضائهم ممكن فبقي على الشركة حقيقة وحكما . .

التالي السابق


( باب ما يحدث الرجل في الطريق ) .

لما فرغ من بيان أحكام القتل مباشرة شرع في بيان أحكامه تسبيبا ، وقدم الأول لكونه أصلا لأنه قتل بلا واسطة ولكونه [ ص: 307 ] أكثر وقوعا فكانت أمس حاجة إلى معرفة أحكامه ( قوله ويسع للذي عمله أن ينتفع به ما لم يضر بالمسلمين لأن له حق المرور ولا ضرر فيه فليلحق به ما في معناه إذ المانع متعنت ) أقول : هذا المقام محل الكلام ، فإن المدعى هنا وهو إباحة الانتفاع بالأمور المذكورة آنفا للذي عملها ما لم يضر بالمسلمين مسألة متفق عليها بين الأئمة ، ودليله المذكور في الكتاب لا يتمشى إلا على أصل محمد .

أما أولا فلأن قوله فليلحق به ما هو في معناه ليس بتام على أصل أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ، إذ قد صرح في الشروح وعامة المعتبرات أن أصلهما أن لكل أحد من عرض الناس مسلما كان أو ذميا أن يمنع العامل من الوضع سواء كان [ ص: 308 ] فيه ضرر أو لم يكن إذا أراد الوضع بغير إذن الإمام ، لأن فيه الافتيات على رأي الإمام فيما إليه تدبيره ، فلكل أحد أن ينكر عليه ; فظهر منه أن عمل ذلك والانتفاع به يشتمل على أمر منكر على أصلهما وهو الافتيات على رأي الإمام فيما إليه تدبيره وإن لم يضر بالمسلمين ، فلم يتصور عندهما أن يكون ذلك في معنى المرور الذي لا يشتمل على أمر منكر أصلا حتى يصح إلحاق ذلك به ، وأما ثانيا فلأن قوله إذ المانع متعنت ليس بتام أيضا على أصلهما قطعا ، إذ لو صح عندهما كون المانع متعنتا لما ذهب إلى جواز منعه شرعا وقد عرفت كون مذهبهما ذلك ودليلهما الذي أقاما عليه فتبصر .




الخدمات العلمية