قال : ومعناه لا يصير مضمونا بالدين ، ولأن الرهن وثيقة بالدين فبهلاكه لا يسقط الدين اعتبارا بهلاك الصك ، وهذا ; لأن بعد الوثيقة يزداد معنى الصيانة ، والسقوط بالهلاك يضاد ما اقتضاه العقد إذا لحق به يصير بعرض الهلاك وهو ضد الصيانة
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام للمرتهن بعد ما نفق فرس الرهن عنده { } وقوله عليه الصلاة والسلام { ذهب حقك إذا غمى الرهن فهو بما فيه } معناه : على ما قالوا إذا اشتبهت قيمة الرهن بعد ما هلك
وإجماع الصحابة والتابعين رضي الله عنهم على أن الراهن مضمون مع اختلافهم في كيفيته ، والقول بالأمانة خرق له ، والمراد بقوله عليه الصلاة والسلام { } على ما قالوا الاحتباس الكلي والتمكن بأن يصير مملوكا له لا يغلق الرهن
كذا ذكر عن السلف [ ص: 142 ] ولأن الثابت للمرتهن يد الاستيفاء وهو ملك اليد والحبس ; لأن الرهن ينبئ عن الحبس الدائم ، قال الله تعالى { الكرخي كل نفس بما كسبت رهينة } وقال قائلهم :
وفارقتك برهن لا فكاك له يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا
والأحكام الشرعية تنعطف على الألفاظ على وفق الأنباء ، ولأن الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء وهو أن تكون موصلة إليه وذلك ثابت له بملك اليد والحبس ليقع الأمن من الجحود مخافة جحود المرتهن الرهن ، وليكون [ ص: 143 ] عاجزا عن الانتفاع به فيتسارع إلى قضاء الدين لحاجته أو لضجره ، وإذا كان كذلك يثبت الاستيفاء من وجه وقد تقرر بالهلاك ، فلو استوفاه ثانيا يؤدي إلى الربا ، بخلاف حالة القيام ; لأنه ينقض هذا الاستيفاء بالرد على الراهن فلا يتكرر ، ولا وجه إلى استيفاء الباقي بدونه ; لأنه لا يتصور ، والاستيفاء يقع بالماليةأما العين فأمانة حتى كانت نفقة المرهون على الراهن في حياته وكفنه بعد مماته ، وكذا قبض الرهن لا ينوب عن قبض الشراء إذا اشتراه المرتهن ; لأن العين أمانة فلا تنوب عن قبض ضمان ، وموجب العقد ثبوت يد الاستيفاء وهذا يحقق [ ص: 144 ] الصيانة ، وإن كان فراغ الذمة من ضروراته كما في الحوالة
فالحاصل أن عندنا حكم الرهن صيرورة الرهن محتبسا بدينه بإثبات يد الاستيفاء عليه وعنده تعلق الدين بالعين استيفاء منه عينا بالبيع ، فيخرج على هذين الأصلين عدة من المسائل المختلف فيها بيننا وبينه عددناها في كفاية المنتهى جملة : منها أن الراهن ممنوع عن الاسترداد للانتفاع ; لأنه يفوت موجبه وهو الاحتباس على الدوام ، وعنده لا يمنع منه ; لأنه لا ينافي موجبه وهو تعينه للبيع وسيأتيك البواقي في أثناء المسائل إن شاء الله تعالى .