الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال : ( وإذا nindex.php?page=treesubj&link=9164_23597قتل جماعة واحدا عمدا اقتص من جميعهم ) لقول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فيه : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم ، [ ص: 244 ] ولأن القتل بطريق التغالب غالب ، والقصاص مزجرة للسفهاء فيجب تحقيقا لحكمة الإحياء .
( قوله وإذا nindex.php?page=treesubj&link=9164_23597قتل جماعة واحدا عمدا اقتص من جميعهم لقول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فيه : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم ) قال صاحب النهاية : هذا جواب الاستحسان .
وفي القياس : لا يلزمهم القصاص لأن المعتبر في القصاص المساواة لما في الزيادة من الظلم على المعتدي وفي النقصان من البخس بحق المعتدي عليه ، ولا مساواة بين العشرة والواحد هذا شيء يعلم ببداهة العقل ، فالواحد من العشرة يكون مثلا للواحد فكيف تكون العشرة مثلا للواحد . وأيد هذا القياس قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } وذلك ينفي مقابلة النفوس بنفس ، ولكن تركنا هذا القياس لما روي أن سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا فقضى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه بالقصاص عليهم وقال : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به انتهى كلامه .
أقول : فيه بحث ، لأنه صرح بأن هذا القياس مؤيد بقوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } وقال في بيانه : وذلك ينفي مقابلة النفوس بنفس ، فعلى ذلك يلزم من ترك هذا القياس ترك العمل بمدلول الآية المذكورة ، وذلك لا يجوز بما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه لأن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه إن كان منفردا في قضائه وقوله المزبورين فظاهر ، لأن قول صحابي واحد وفعله لا يصلحان للمعارضة لكتاب الله تعالى فضلا عن الرجحان عليه ، وإن انضم إليه إجماع الصحابة حيث كانوا متوافرين ولم ينكر عليه أحد منهم فحل محل الإجماع كما صرح به في العناية وغيرها فكذلك ، إذ قد تقرر في علم أصول الفقه أن الإجماع لا يكون [ ص: 244 ] ناسخا للكتاب ولا السنة كما لا يكون القياس ناسخا لشيء منهما ، فالحق في أسلوب تحرير هذا المقام أن لا يتعرض لحديث كون الآية المذكورة مؤيدة لما في مقتضى القياس في هذه المسألة وأن يبين عدم المنافاة بين مدلول تلك الآية وبين جواب الاستحسان هاهنا ، وسيجيء منا الكلام في التوفيق بينهما بعد هذا القول ( قوله ولأن القتل بطريق التغالب غالب والقصاص مزجرة للسفهاء فيجب تحقيقا لحكمة الإحياء ) قال صاحب العناية : لقائل أن يقول : ما ذكرتم من المعقول إن لم يكن قياسا على مجمع عليه لا يكون معتبرا في الشرع ، وإن كان فلا يربو على القياس المقتضي لعدمه المؤيد بقوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45أن النفس بالنفس } والجواب أنه قياس على سائر أبواب العقوبات المترتبة على ما يوجب الفساد من أفعال العباد ويربو على ذلك بقوة أثره الباطن وهو إحياء حكمة الإحياء ، وقوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45أن النفس بالنفس } لا ينافيه لأنهم في إزهاق الروح الغير المتجزئ كشخص واحد انتهى كلامه .
أقول : فيه نظر ، لأن جعل الأشخاص المتعددة الذوات في الحقيقة كشخص واحد بمجرد صدور إزهاق الروح الغير المتجزئ عن مجموعهم وجعلهم مساوين لشخص واحد بحيث يتحقق بين ذلك الشخص الواحد وبين هؤلاء الجماعة مماثلة معتبرة في القصاص بعيد جدا عن مساعدة العقل والنقل ، وأيضا ينافي هذا ما سيأتي في تعليل المسألة الآتية من أن الأصل عند أئمتنا أن كل واحد منهم قاتل بوصف الكمال فكان الصادر منهم بهذا الاعتبار قتلات متعددة على عدد رءوسهم فحصلت المماثلة المعتبرة في القصاص .