قال ( وإذا قضى على أهل المحلة بالدية ولا يستحلف الولي ) وقال حلفوا لا تجب الدية لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الشافعي عبد الله بن سهل رضي الله عنه { } ولأن [ ص: 376 ] اليمين عهد في الشرع مبرئا للمدعى عليه لا ملزما كما في سائر الدعاوى . ولنا أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين الدية والقسامة في حديث تبرئكم اليهود بأيمانها ابن سهل وفي حديث زياد بن أبي مريم ، وكذا جمع رضي الله عنه بينهما على وادعة . وقوله عليه الصلاة والسلام { عمر } محمول على الإبراء عن القصاص والحبس ، [ ص: 377 ] وكذا اليمين مبرئة عما وجب له اليمين والقسامة ما شرعت لتجب الدية إذا نكلوا ، بل شرعت ليظهر القصاص بتحرزهم عن اليمين الكاذبة فيقروا بالقتل ، فإذا حلفوا حصلت البراءة عن القصاص . تبرئكم اليهود
ثم الدية تجب بالقتل الموجود منهم ظاهرا لوجود القتيل بين أظهرهم لا بنكولهم ، أو وجبت بتقصيرهم في المحافظة كما في القتل الخطإ ( ومن أبى منهم اليمين حبس حتى يحلف ) لأن اليمين فيه مستحقة لذاتها تعظيما لأمر الدم ولهذا يجمع بينه وبين الدية ، [ ص: 378 ] بخلاف النكول في الأموال لأن اليمين بدل عن أصل حقه ولهذا يسقط ببذل المدعي وفيما نحن فيه لا يسقط ببذل الدية ، هذا الذي ذكرنا إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة ، وكذا إذا ادعى على البعض لا بأعيانهم والدعوى في العمد أو الخطإ لأنهم لا يتميزون عن الباقي ، ولو ادعى على البعض بأعيانهم أنه قتل وليه عمدا أو خطأ فكذلك الجواب ، يدل عليه إطلاق الجواب في الكتاب ، وهكذا الجواب في المبسوط . وعن في غير رواية الأصل أن في القياس تسقط القسامة والدية عن الباقين من أهل المحلة ، ويقال للولي ألك بينة ؟ فإن قال لا يستحلف المدعى عليه يمينا واحدة . أبي يوسف
ووجهه أن القياس يأباه لاحتمال وجود القتل من غيرهم ، وإنما عرف بالنص فيما إذا كان في مكان ينسب إلى المدعى عليهم والمدعي يدعي القتل عليهم ، وفيما وراءه بقي على أصل القياس وصار كما إذا ادعى القتل على واحد من غيرهم . [ ص: 379 ] وفي الاستحسان تجب القسامة والدية على أهل المحلة لأنه لا فصل في إطلاق النصوص بين دعوى ودعوى فنوجبه بالنص لا بالقياس ، بخلاف ما إذا ادعى على واحد من غيرهم لأنه ليس فيه نص ، فلو أوجبناهما لأوجبناهما بالقياس وهو ممتنع ، ثم حكم ذلك أن يثبت ما ادعاه إذا كان له بينة ، وإن لم تكن استحلفه يمينا واحدة لأنه ليس بقسامة لانعدام النص وامتناع القياس .
ثم إن حلف برئ وإن نكل والدعوى في المال ثبت به ، وإن كان في القصاص فهو على اختلاف مضى في كتاب الدعوى . قال ( وإن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم حتى تتم خمسين ) لما روي أن رضي الله عنه لما قضى في القسامة وافى إليه تسعة وأربعون رجلا فكرر اليمين على رجل منهم حتى تمت خمسين ثم قضى بالدية . عمر
وعن شريح رحمهما الله مثل ذلك ، ولأن الخمسين واجب بالسنة فيجب إتمامها ما أمكن ، ولا يطلب فيه الوقوف على الفائدة لثبوتها بالسنة ، ثم فيه استعظام أمر الدم ، فإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر على أحدهم فليس له ذلك ، لأن المصير إلى التكرار ضرورة الإكمال . قال ( ولا قسامة على صبي ولا مجنون ) لأنهما ليسا من أهل القول الصحيح واليمين قول صحيح . قال ( ولا امرأة ولا عبد ) لأنهما ليسا من أهل النصرة واليمين على أهلها . والنخعي
قال ( وإن وجد ميتا لا أثر به فلا قسامة ولا دية ) لأنه ليس بقتيل ، إذ القتيل في العرف من فاتت حياته بسبب يباشره حي وهذا ميت حتف أنفه ، والغرامة تتبع فعل العبد والقسامة تتبع احتمال القتل ثم يجب عليهم القسم فلا بد من أن يكون به أثر يستدل به على كونه قتيلا ، وذلك بأن يكون به جراحة أو أثر ضرب أو خنق ، وكذا إذا كان خرج الدم من عينه أو أذنه لأنه لا يخرج منها إلا بفعل من جهة الحي عادة ، بخلاف ما إذا خرج من فيه أو دبره أو ذكره لأن الدم يخرج من هذه المخارج عادة بغير فعل أحد ، وقد ذكرناه في الشهيد .