الوجه التاسع والعشرون: أن يقال: هؤلاء دائما يسمعون ذكر الملائكة والجن وهم أحياء عالمون قادرون، ومع هذا فقد علموا أنهم يتصورون بصور الآدميين، كما تمثل جبريل لمريم بشرا سويا، وكما تمثل إبليس في صورة سراقة بن جعشم، ومع هذا لما أخبروا بأن جبريل عليه السلام له ستمائة [ ص: 612 ] جناح وسمعوا قول الله في الملائكة: أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع [فاطر: 1] لم يكن فيهم من يعتقد أن الملائكة والجن من جنس الآدميين مطلقا لما استشعروه من نوع فرق، وقد علم ما بين الله وبين البشر من عدم المماثلة أعظم مما بين البشر والملائكة، وهب أن ذلك قد يخطر بقلب الواحد والاثنين منهم، فكيف يجعل هذا الاعتقاد شاملا لبني آدم الذين يرفعون أيديهم إلى الله عز وجل من الأولين والآخرين، وأن الآخرين أخذوه عن الأولين وشاركوهم في التخيل. فكيف يقال: إن رفع أيديهم إنما كان لاعتقادهم أن الله من جنس ما يشاهدونه من الأحياء القادرين؟!