الوجه الثلاثون: أن يقال: سبق إلى الوهم أن من يدعو حيا عالما قادرا على ما يشاهد عليه الأحياء القادرين". أتريد بذلك أنه يسبق إلى وهمه أنه مثله مطلقا بحيث يجوز عليه ما يجوز عليه، ويمتنع عليه ويجب له ما يجب له أو أنه يشابهه من بعض الوجوه؟ أما الأول فأنت وسائر العلماء يعلمون أن هذا [ ص: 613 ] لم يقله أحد قط، وقد ذكرت ذلك في كتبك، واعترفت بأن أحدا من العقلاء لم يقل بالمماثلة هكذا. وإذا كان هذا لم يقله أحد لم يجز أن يجعل هذا اعتقاد الداعين الذين يرفعون أيديهم إلى الله مع العلم بأنه لم يقله أحد من المشبهة ولا من غيرهم.
وأما إن كان مقصوده أنهم يثبتون المشابهة من بعض الوجوه فهذا حق، وقد ذكر هو في " نهايته " إجماع المسلمين على ثبوت المشابهة من بعض الوجوه.
فإن ذلك مما لا يمكن النزاع فيه كما حكيناه عنه فيما تقدم، وحينئذ فيكون ما عليه بنو آدم من الاعتقاد الذي هو مستند رفع أيديهم إلى الله حين الدعاء اعتقادا صحيحا في الأصل ليس بفاسد.
لكن قد علم أن لكن الاعتقاد الذي يدعوهم إلى رفع أيديهم لا يجب أن يكون من التمثيل الباطل: إذ لا يختص أهله بالرفع إلى الله، وإذا كان كذلك لم يكن مستند الناس كلهم في الرفع إلى الله باطلا، وإذا لم يكن مستندهم كلهم باطلا بل كان مستند بعضهم حقا ثبت أن الله ترفع إليه الأيدي، وأن فاعل ذلك يكون اعتقاده صحيحا. الناس هنا في طرفي نقيض؛ منهم من يغلو في الإثبات حتى يثبت مماثلة الله لخلقه في بعض الأمور، ومنهم من يغلو في التعطيل حتى لا يمثله إلا بالمعدوم والموات.
[ ص: 614 ] وذلك يقتضي صحة الإشارة الحسية إليه إلى فوق، وهو المطلوب.