الوجه الحادي والثلاثون: أن يقال: مضمون ما ذكرته أن الناس لما لم يشاهدوا حيا عالما قادرا إلا جسما سبق إلى اعتقادهم أنهم إذا دعوا حيا قادرا عالما كان جسما، ويتبع ذلك أنه في مكان، وحاصل هذا أن الأمم المختلفة من الأولين والآخرين المجمعين على رفع أيديهم إلى الله في الدعاء إنما فعلوا ذلك لاعتقادهم أن الله جسم، ووجه هذا الاعتقاد أنهم لم يشهدوا حيا عالما قادرا إلا جسما، فاعتقدوا فيمن يدعونه ذلك، وأثبتوا له المكان، إذ الجسم لا بد له من حيز، وخصوه بالعلو لأنه أشرف، فمضمون هذا ذكر مستند العباد في رفع الأيدي. والعلو أشرف من غيره، فيسبق إلى فهم الداعي أن من اعتقد عظمته إذا كان في جهة أن يكون في جهة العلو.
فيقال له: لا يخلو إما أن يكون هذا مستندهم أو لا يكون. فإن لم يكن هذا مستندهم بطل هذا الجواب، وصحت الحجة، وثبت أنهم إنما رفعوا أيديهم إلى الله لعلمهم الضروري بأن الذي يطلب منه تحصيل المطالب وتيسير العسير في تلك الجهة، وإن كان هذا مستندا لهم كان قد حكى اتفاق الأمم الذين يرفعون أيديهم في الدعاء على أن الله جسم، إذ لم يشهدوا موجودا إلا جسما، وحينئذ فهذا أبلغ في الحجة عليه، فإن الأمم المتفقين [ ص: 615 ] على رفع الأيدي إذا كانوا يعتقدون أن الله جسم كان هذا من أبلغ حجج القائلين بالجسم، لأن هؤلاء الذين يرفعون أيديهم فيهم الأنبياء وفيهم هذه الأمة التي لا تجتمع على ضلالة، فصار ما جعله جوابا حجة عليه.