فصل : في الشرط والجزاء
إذا فهو طلاق معلق بشرط لا يقع إلا بوجوده ، والشرط دخول الدار ، والجزاء وقوع الطلاق ، فمتى دخلت الدار طلقت ، ولا تطلق إن لم تدخل . قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ،
فلو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق فظاهره الشرط والجزاء ، وإن أسقط فاء الجزاء فلا تطلق إلا بدخول الدار ، كقوله : إن دخلت الدار فأنت طالق ، فلو قال : أردت به الطلاق في الحال ، فقوله : أنت طالق حمل على إرادته ، لأنه أضر به نفسه ، ويحلف في الحال ولم تطلق بدخول الدار .
ولو احتمل ثلاثة معان : قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ،
أحدها : أن يريد بذلك الشرط ويضمر الجزاء في نفسه ، فكأنه أراد إن دخلت الدار وأنت طالق فعبدي حر ، أو فحفصة طالق فيحمل على ما أراد ، لأن الكلام يحتمله ، فلا تطلق هي بدخول الدار ، فإن أكذبته الزوجة أحلف لها .
المعنى الثاني : أن يريد الشرط والجزاء ، فيكون كقوله : إن دخلت الدار فأنت طالق ، فيكون على ما أراد شرطا وجزاء وتقوم الواو مقام الفاء ، فإذا دخلت الدار طلقت فإن أكذبته الزوجة وذكرت أنه أراد بهما جميعا الشرط لم يحلف لها ، فإن ذكرت أنه أراد الطلاق المعجل أحلف لها .
والمعنى الثالث : أن يريد إيقاع الطلاق في الحال فتطلق ، ويكون ذكر الدار صلة لا شرطا ، فإن أكذبته الزوجة لم يحلف لها ، فإن قال ذلك ولم يكن له إرادة ، كان [ ص: 290 ] الظاهر منه حمله على الشرط والجزاء ، لأن الكلام إذا أمكن أن يكون مستقلا بنفسه لم يجعل مبتورا، والواو قد تقوم مقام الفاء : لأنها من الحروف التي ينوب بعضها مناب بعض .
ولو احتمل معنيين : قال : وإن دخلت الدار فأنت طالق ،
أحدهما : أن يكون عطفا على كلام تقدم كأنه قال : إن كلمت زيدا فأنت طالق وإن دخلت الدار فأنت طالق ، فيكون شرطا وجزاء فمتى دخلت الدار طلقت ، ولا تطلق قبل دخولها .
والمعنى الثاني : أن يريد به إيقاع الطلاق في الحال ، فتطلق ويكون معناه أنت طالق وإن دخلت الدار . ولو فإن أراد بقوله وبكرا مع خالد استئناف كلام كان شرط الطلاق كلام زيد وعمرو ، دون بكر وخالد ، فإذا كلمت زيدا وعمرا معا أو على انفراد طلقت ، وإن كلمت أحدهما دون الآخر لم تطلق ، وإن أراد بقوله بكرا مع خالد الشرط ، صار شرط الطلاق مقيدا بكلام زيد وعمرو ، وبكر مع خالد فإن كلمتهم إلا واحدا منهم لم تطلق ، لأن الشرط لم يكمل ، وإن كلمتهم جميعا وأفردت كلام بكر عن خالد لم تطلق ، لأنه جعل شرط الطلاق اجتماعهم في الكلام وإن جمعت بين بكر وخالد في الكلام وفرقت بين زيد وعمرو في الكلام طلقت ، لأنه جعل الجمع بين بكر وخالد شرطا ، ولم يجعل الجمع بين زيد وعمرو شرطا ، وإن قال ذلك : ولا إرادة له حمل ذكر بكر وخالد على الاستئناف دون الشرط ، لأن اختلافهما في حكم الإعراب يخالف بينهما في حكم الشرط ، ولو قال : إن كلمت زيدا أو عمرا أو بكرا فأنت طالق ، فإن كلمت أحدهم طلقت واحدة ، وإن كلمتهم جميعا قال قال : أنت طالق إن كلمت زيدا وعمرا وبكرا مع خالد ، ابن سريج : تطلق ثلاثا ، لأن كلام كل واحد شرط يتعلق به الجزاء إذا انفرد فوجب أن يتعلق به الجزاء إذا اجتمع .
والذي أراه أنها لا تطلق إلا واحدة ، لأن الجزاء واحد علق بأحد ثلاثة شروط فوجب أن تطلق بهما إذا اجتمعت الأجزاء واحدة ، ولكن لو قال : إن كلمت زيدا فأنت طالق وإن كلمت عمرا فأنت طالق وإن كلمت بكرا فأنت طالق فكلمتهم جميعا ، طلقت ثلاثا ، لأنها ثلاثة شروط علق بكل شرط منها جزاء مفردا ، ولو فإن دخلت كل واحدة منهما كل واحدة من الدارين طلقتا ، وإن دخلت إحداهما إحدى الدارين ودخلت الأخرى الدار الأخرى ففيه وجهان : قال وله زوجتان : وإن دخلتما هاتين الدارين ، فأنتما طالقتان ،
أحدهما : طلقتا ، لأن دخول الدارين موجود منهما فصار الشرط بدخولهما موجودا .
[ ص: 291 ] والوجه الثاني : وهو الأصح : لا تطلقا حتى تدخل كل واحدة منهما كل واحدة من الدارين ، لأنه لو أفرد طلاق كل واحدة منهما بدخول الدارين ، لم تطلق إلا بدخولهما معا ، فكذلك إذا جمع بينهما لم تطلق كل واحدة منهما إلا بدخول الدارين معا ، وهكذا لو قال : إن ركبتما هاتين الدابتين فأنتما طالقتان فركبت كل واحدة منهما كل واحدة من الدابتين أو قال إن أكلتما هذين الرغيفين فأنتما طالقتان ، فأكلت كل واحدة منهما أحد الرغيفين كان طلاقهما على هذين الوجهين .