الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو قال لها أنت طالق إذا قدم فلان فقدم به ميتا أو مكرها لم تطلق " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح إذا قال لها : إذا قدم زيد ، فأنت طالق ، فلا يخلو قدوم زيد من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يقدم بنفسه مختارا للقدوم ، عالما لليمين ، فالطلاق واقع ، سواء قدم من مسافة بعيدة ، يقصر في مثلها الصلاة ، أو من مسافة قريبة لا يقصر في مثلها الصلاة ، لأنه في الحالين قادم وسواء كان صحيحا أو مريضا : لأنه فعل القدوم بنفسه .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يقدم بزيد ميتا أو مكرها محمولا ، فلا طلاق عليه ، لأنه جعل صفة الطلاق فعل زيد للقدوم ، فإذا قدم بزيد ميتا أو مكرها ، فهو مفعول به وليس بفاعل ، فلم توجد صفة الطلاق فلم يقع .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يقدم زيد بنفسه مكرها مخوفا غير مختار ، ففي وقوع الطلاق قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يقع لوجود القدوم منه ، فاستوى فيه المكره والمختار .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا يقع لعدم القصد ، فأشبه المحمول ، وهكذا حكم الإكراه على الأكل والفطر على هذين القولين .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن يقدم زيد ، وهو غير عالم بيمين الحالف ، أو علم بها ، فقدم ناسيا لليمين ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن لا يكون القصد باليمين منع زيد من القدوم ، إما لأن زيدا سلطان لا يمتنع من القدوم بيمين هذا الحالف ، أو يكون مجنونا أو صغيرا لا قصد له ، فالطلاق هاهنا واقع بقدومه : لأنه طلاق بصفة محضة لا يراعى فيها القصد ، وقد وجدت فوقع بها الطلاق كما لو قال : إذا دخل الحمار هذه الدار أو طار الغراب فأنت طالق ، فدخل الحمار وطار الغراب ، وقع الطلاق وإن كان من غير ذي قصد . [ ص: 213 ] والضرب الثاني : أن يقصد الحالف بيمينه منع زيد من القدوم : لأنه ممن يقبل قوله أو يتمثل أمره فهذه يمين محضة ، وفي وقوع الطلاق بها بقدوم زيد من غير قصد ولا علم قولان ، من حنث الناس في قول البغداديين .

                                                                                                                                            وقال البصريون من أصحابنا : يحنث قولا واحدا ، لأن القصد إنما يراعى في فعل الحالف لا في فعل المحلوف عليه : لأن الحالف لا بد أن يكون ذا قصد ، فجاز أن يراعى القصد في أفعاله ، وقد يجوز أن يكون المحلوف عليه ، غير ذي قصد ، فلم يراع القصد في أفعاله والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية