الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا قال لها : إذا حضت حيضة فأنت طالق واحدة ، فإذا حضت حيضتين فأنت طالق اثنتين . فحاضت حيضتين طلقت ثلاثا ، بالأولى منهما طلقة : لأنها قد حاضت حيضة ، وبالثانية منهما طلقتين ؛ لأنها قد حاضت حيضتين .

                                                                                                                                            ومثاله أن يقول : إن كلمت رجلا فأنت طالق واحدة ، وإن كلمت شيخا فأنت طالق واحدة وإن كلمت زيدا فأنت طالق واحدة فكلمت زيدا وكان شيخا طلقت ثلاثا ، واحدة بأنه رجل وثانية بأنه شيخ وثالثة بأنه زيد ، ولو كلمت عمرا وإن كان شابا لم تطلق إلا واحدة بأنه رجل . ولو كان شيخا لم تطلق إلا اثنتين واحدة بأنه رجل وثانية بأنه شيخ ، ولكن لو قال لها : إذا حضت فأنت طالق واحدة ، ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق ثنتين لم تطلق ثلاثا إلا بثلاث حيض لأجل قوله . فيقع منهما بالحيضة الأولى طلقة ولا تطلق بالحيضة الثانية شيئا ، فإذا حاضت الحيضة الثالثة صارت مع الحيضة الثانية صفة لوقوع الطلقتين فتطلق حينئذ ثلاثا ، وإنما كان كذلك ، لأن " ثم " توجب التراخي والفصل ، والواو توجب الاشتراك والجمع ، فلذلك افترقا في هذين الموضعين .

                                                                                                                                            فصل آخر : إذا قال وله امرأتان : إذا حضتما حيضة فأنتما طالقتان ففيه لأصحابنا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه علق طلاقهما بحيضة منهما ومستحيل أن يشتركا في حيضة واحدة ولا بحيض إحداهما : لأنها لا تكون الحيضة منهما فصار تعليق الطلاق بها لغوا فلم تقع . [ ص: 139 ] والوجه الثاني : أن الشرط صحيح وتعليق الطلاق به جائز ، ومعنى قوله : إذا حضتما حيضة أي إذا حاضت كل واحدة منكما حيضة فأنتما طالقتان ، والكلام إذا كان مفهوم المعنى وأمكن حمله على الصحة . وإن كان على وجه المجاز لم يجز حمله على الإلغاء والفساد ، فإذا حاضت كل واحدة حيضة كاملة طلقت طلاق السنة لوقوعه في أول الطهر وإن حاضت إحداهما دون الأخرى لم تطلق واحدة منهما . وأصل هذه المسألة : اختلاف المتقدمين من أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة فيمن قال لامرأتيه إذا ولدتما ولدا فأنتما طالقتان ، فذهب الربيع بن سليمان من أصحابنا . وأبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة إلى أنهما لا يلحقهما بالولادة طلاق : لأنه إن ولدت إحداهما لم يكن ذلك منهما وإن ولدتا معا لم يكن ذلك ولدا ، فلذلك لم تطلق واحدة منهما بولادتها ولا بولادتهما . وذهب أبو إبراهيم المزني ومحمد بن الحسن إلى أن تعليق الطلاق بهما صحيح والمراد به ولادة كل واحدة منهما ، فإذا ولدت إحداهما لم تطلق واحدة منهما ، وإن ولدتا معا طلقتا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية