الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " فإذا كتب إذا جاءك كتابي فحتى يأتيها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وإذ قد مضى الكلام ، حكم الكتابة بالطلاق أنها ليست صريحة فيه ، وفي كونها كناية قولان ، فلا يخلو حال من كتب بطلاق زوجته من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يقترن بكتابته لفظ .

                                                                                                                                            والثاني : أن يقترن بها نية .

                                                                                                                                            والثالث : أن تتجرد عن لفظ ونية ، فإن قارنها لفظ ، وقع الطلاق ، لأن اللفظ لو تجرد عن الكتابة وقع به الطلاق ، فإذا انضم إلى الكتابة فأولى أن يقع به ، وإن قارنها نية الطلاق ، ففي وقوع الطلاق بها قولان ، إن قيل كناية وقع الطلاق ، وإن قيل ليست كناية لم يقع ، وإن تجردت الكتابة عن قول ونية لم يقع بها الطلاق ، لأنه يحتمل أن يكون كتب حاكيا عن غيره ، أو مجربا لخطه ، أو مرهبا لزوجته ، فإذا تقرر ما وصفنا ، فصورة هذه المسألة أن يكتب إلى زوجته إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق ، إما مع لفظ اقترن به فكان طلاقا قولا واحدا وإما مع نية اقترنت بخطه ، فكان طلاقا في أصح القولين ، وعليه تفرع جميع هذه المسائل ، فهو طلاق معلق بصفة ، وهو مجيء الكتاب إليها ، فإن لم يجئها الكتاب لم تطلق فإن تأخر لهلاكه فقد بطلت صفة طلاقها ، فهو غير منتظر سواء كان هلاكه بسبب منها أو من غيره ، وإن تأخر مع بقائه فالصفة باقية ، وتعليق الطلاق بها منتظر لمجيء الكتاب إليها ، لم يخل حاله من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون سليما ، فالطلاق واقع سواء قرأته أو لم تقرأه ، لأنه علق طلاقها بمجيئه لا بقراءته ، ولو كان كتب إذا جاءك كتاب وقرأتيه لم تطلق لمجيئه حتى [ ص: 170 ] تقرأه ، فإن قرأ عليها لم تطلق ، إن كانت تحسن القراءة ، وطلقت إن كانت لا تحسنها اعتبارا بالعرف .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يصل الكتاب ممحو الكتابة ، فلا طلاق ، لأن الكتاب هو المكتوب وما لا كتابة فيه فهو كأخذ وليس بكتاب ، سواء كان هو الماحي له أو غيره ، ولكن لو تطلست كتابته ولم تمح ، نظر فإن كان مفهوم القراءة طلقت ، وإن كان غير مفهوم لم تطلق .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يصل الكتاب وقد ذهب بعضه ، فإن كان الذاهب منه موضع طلاقها لم تطلق ، لأن مقصوده لم يصل ، وإن كان موضع طلاقها باقيا والذاهب من غيره ، فقد اختلف أصحابنا في وقوع طلاقها به على أربعة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : لا تطلق سواء كان الذاهب منه مكتوبا أو غير مكتوب ، لأن الواصل منه بعضه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها تطلق ، سواء كان الذاهب مكتوبا أو غير مكتوب ، لأن المقصود منه هو لفظ الطلاق واصل .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : إن كان الذاهب من المكتوب لم تطلق ، لأنه بعض الكتاب وإن كان الذاهب من غير المكتوب طلقت ، لأن المكتوب هو جميع الكتاب .

                                                                                                                                            والوجه الرابع : إن وصل أكثره طلقت ، وإن وصل أقله لم تطلق اعتبارا بالأغلب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية