الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولما لم يكن نكاح ولا طلاق إلا بكلام فلا تكون الرجعة إلا بكلام " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : ولا تصح الرجعة إلا بكلام من الناطق وبالإشارة من الأخرس ، ولا تصح بالفعل من الوطء والاستمتاع .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة تصح الرجعة بالقول وبالفعل كالوطء والقبلة حتى لو نظر إليها بشهوة صحت الرجعة .

                                                                                                                                            وقال مالك : إن نوى بالوطء الرجعة صحت ، وإن لم ينو لم تصح استدلالا بقول الله تعالى : وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا [ البقرة : 228 ] والرد يكون بالفعل كما يكون بالقول كرد الوديعة ، ولأنها مدة مضروبة للفرقة فصح رفعها بالفعل كالإيلاء والعنة .

                                                                                                                                            ولأنها مدة تفضي إلى زوال الملك فصح رفعها بالقول والفعل كمدة الخيار في البيع .

                                                                                                                                            ولأن تأثير الوطء أبلغ في الإباحة من القول كالمطلقة ثلاثا لا تستباح إلا بوطء زوج ، فلما استبيحت المرتجعة بالقول فأولى أن تستباح بالفعل .

                                                                                                                                            ودليلنا قوله تعالى : فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم [ الطلاق : 2 ] فكان في الآية دليلان :

                                                                                                                                            [ ص: 311 ] أحدهما : قوله فأمسكوهن بمعروف فدل على أن إباحة الامتلاك يكون بعد الإمساك .

                                                                                                                                            والثاني : أمره بالإشهاد في الرجعة ، إما واجب على القديم ، أو ندب على الجديد فدل على أنها على وجه تصح فيه الشهادة ، والوطء مما لم يجز بالإشهاد عليه عادة ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : فليراجعها ثم ليمسكها فدل على وجوب الرجعة قبل إمساكها ، وإلا يكون إمساكها رجعة ولأنه رفع لحكم طلاقه فلم يتم إلا بالقول مع القدرة عليه كالبائن ، ولأنها حادثة في فرقة فلا يصح إمساكها بالوطء كالزوجين الحرين إذا أسلم أحدهما ولأنه فعل مع القدرة على القول فلم تصح به الرجعة كالقبلة لغير شهوة ، ولأن ما كمل به المهر لم تصح به الرجعة ، كالخلوة .

                                                                                                                                            ولأن العدة تجب عن الوطء فاستحال أن تنقطع العدة بالوطء ، لأن ما يوجب الشيء لا يقطعه ألا ترى أن الوطء يستباح بالعقد فاستحال أن يقطع بالعقد .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن الآية فهو أن الرد على ضربين : مشاهد وحكم ، فرد المشاهدة لا يكون إلا بالفعل كالوديعة ، ورد حكم فلا يكون إلا بالقول كقوله : رددت فلانا إلى حزبي أو إلى مودتي ، ورد الرجعة حكم فلم يكن إلا بالقول .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قياسهم على مدة الإيلاء والعنة ، فهو أن المدة غير مضروبة في الإيلاء والعنة للفرقة ، وإنما هي مضروبة لاستحقاق المطالبة ، والمدة في الطلاق الرجعي غير مضروبة للفرقة لوقوع الفرقة بالطلاق دون المدة فلم يسلم وصف العلة في أصله وفرعها ، ثم مدة الإيلاء والعنة المعتبر فيها أنها لا ترتفع بالقول فلذلك ارتفعت بالوطء ، وهذه لما ارتفعت بالقول لم ترتفع بالوطء وأما الجواب عن قياسهم على مدة الخيار فالمعنى فيها أنها استباحة ملك واستعادة ملك ، فجاز أن يكون بالقول والفعل ، وليس كذلك الرجعة .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن استدلالهم بتأثير الوطء في المطلقة ثلاثا ، فهو أن ذلك الوطء إنما هو تمليك لا يوجب استيفاء نكاح ولا تجديده فلم يجز أن يصير في الرجعة موجبا استيفاء نكاح كما لم يوجب تجديده .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية