الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو قالت له طلقني ولك علي ألف درهم فقال أنت طالق على الألف إن شئت فلها المشيئة وقت الخيار " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : هذه المسألة تشتمل على سؤالين وجوابين فالسؤالان :

                                                                                                                                            أحدهما : قول المرأة : طلقني على ألف .

                                                                                                                                            والثاني : قول الرجل إن شئت .

                                                                                                                                            وأما الجوابان فأحدهما قول الرجل : أنت طالق على ألف .

                                                                                                                                            والثاني : قول المرأة : إن شئت ، فإذا بدأت المرأة بالطلب فقالت : طلقني على ألف درهم ، فإن عجل جوابها في الحال فقال : أنت طالق على ألف ، تم الخلع بسؤال واحد وجواب واحد ، وصار سؤالها طلبا وجوابه إيجابا ، فتم الخلع ، ولم تحتج المرأة إلى القبول بعد الإيجاب ، وإن لم يتعجل طلاق الرجل لها حتى تراخى خرج طلاقه عن حكم الإيجاب وصار بدلا وكأنه ابتدأها من غير طلب منها فقال لها : أنت طالق على ألف فلا يتم الخلع بعد بذله حتى تقول الزوجة في الحال : قد قبلت ، فيتم الخلع بالبذل والقبول ، لأن تراخي جواب الزوج عن طلب الزوجة يخرجه من حكم الإيجاب المستحق على الفور بعد الطلب ، ويجعله حكم البذل المستبدأ .

                                                                                                                                            فأما إن قيد الزوج جوابه بشرط وهي مسألة الكتاب فقال عقيب قولها : طلقني على ألف : أنت طالق على ألف إن شئت ، فتمام الخلع أن يوجد منها شرط الطلاق ، فتقول : قد شئت ، ولا يمنع وقوع الخلع بهذا الشرط ، وإن كان من عقود المعاوضات تغليبا لحكم الطلاق المعلق بالصفات وبالشروط ، وإذا كان كذلك فمشيئتها وإن كانت بالقلب فلا تعلم إلا بقولها : قد شئت ، فإذا قالت : قد شئت ، صار القول مشيئة منها ، وإن كان اختيارا عنها ، ومن شروط المشيئة أن تكون على الفور ، فإنها لا تصير قبولا [ ص: 40 ] لبذل ، وقد قال الشافعي : " فلها المشيئة في وقت الخيار " فاختلف أصحابنا في معنى قوله وقت الخيار على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول البصريين أنه أراد خيار القبول بعد البذل ، فعلى هذا من صحة مشيئتها أن تكون على الفور ، من غير مهلة ، كما يكون قبول البذل على الفور من غير مهلة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول البغداديين أنه أراد خيار الجواب بعد السؤال وهو أن تشاء في المجلس قبل تطاول الزمان وبعده ، وقبل أخذها في غيره وإن كان بينهما مهلة يسيرة ، كما يكون في العادة جوابا للسؤال ، وعلى كلا الوجهين إن تراخى زمان مشيئتها لم يصح .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : خيارها في المشيئة ممتد على التراخي .

                                                                                                                                            وأصله اختلافنا وإياه إذا قال لها : اختاري نفسك ، فعنده أن خيارها ممتد ، وعندنا أن خيارها على الفور والكلام معه يأتي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية