الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " لا أعلم خلافا أنها إن طلقت نفسها قبل أن يتفرقا من المجلس وتحدث قطعا لذلك أن الطلاق يقع عليها فيجوز أن يقال لهذا الموضع إجماع " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا جعل إليها طلاق نفسها فهو تمليك ، يراعى فيه تعجيل القبول ، والقبول أن تطلق نفسها فتملك بتعجيل الطلاق ما ملكها ، وإذا كان كذلك فقد قال الشافعي هاهنا : إن طلقت نفسها قبل أن يتفرقا من المجلس أو تحدث قطعا لذلك ، وقع الطلاق عليها ، فجعل وقوع الطلاق عليها مقيدا بشرطين : [ ص: 177 ] أحدهما : أن يكون قبل افتراقهما عن مجلسهما .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون قبل أن يحدثا ما يقطع ذلك من قول أو فعل ، فلم يختلف أصحابنا أنها متى طلقت نفسها بعد افتراقهما عن المجلس ، لم تطلق ، ومتى طلقت نفسها في المجلس بعد أن حدث تشاغل بغيره من كلام أو فعال لم تطلق .

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا هل يكون خيارها ممتدا في جميع المجلس أو يكون على الفور ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو ظاهر كلامه هاهنا ، وفي " الإملاء " أنه ممتد في جميع المجلس ، فمتى طلقت نفسها فيه طلقت ، وإن تراخى الزمان .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي والمحققين من أصحابنا : أنه على الفور في المجلس ، لأنه قبول تمليك ، فأشبه القبول في تمليك البيع والهبة ، وإطلاق الشافعي محمول على هذا الشرط ، لأن أصوله مقررة عليه ، ولأنه ذكر الإجماع فيه ، أنها إذا طلقت نفسها على هذه الصفة ، كان إجماعا ولا يكون إلا أن يتعجل على الفور من غير مهلة .

                                                                                                                                            وقال مالك في إحدى روايتيه : لها أن تطلق إلى شهر ، وفي الرواية الثانية : ما لم تمكنه من وطئها ، وكلا القولين مردود ومدفوع بما ذكرنا من التعليل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية