الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا تمهد حكم الكناية وأن الطلاق لا يقع بها إلا مع النية ، فإن تجردت عن النية لم يقع بها طلاق ، لأن قوله : أنت خلية يحتمل خلية من خير ، وخلية من شر وخلية من زوج فلم يحمل على إحدى احتمالاته بغير نية ، وكذلك قوله : أنت بائن يحتمل من الخير والشر والزوج وكذلك سائر الكنايات ، يتقابل فيها الاحتمال ، فلم يقع بها طلاق من غير نية ، فأما إذا وجدت الكناية ونية الطلاق ، فلا يخلو حال النية من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن تكون النية متقدمة على جميع اللفظ ، فلا يقع الطلاق ، ولأن النية تجردت عن لفظ فلم يقع بها طلاق ، واللفظ تجرد عن نية ، فلم يقع به طلاق .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن تكون النية متأخرة عن جميع اللفظ ، فلا يقع الطلاق أيضا ، لما ذكرنا أن اللفظ لما تجرد عن النية لم يقع به طلاق ، والنية لما تجردت عن اللفظ لم يقع بها طلاق .

                                                                                                                                            مثال هذين : نية الصلاة ، إن تقدمت على الإحرام لم تصح ، وإن تأخرت عنه لم تصح . [ ص: 164 ] والقسم الثالث : أن تكون النية مقارنة لجميع اللفظ ، فتوجد من أول اللفظ إلى آخره فالطلاق واقع ، باللفظ والنية معا ، ولا يكون وقوعه بأحدهما ، وإن كان اللفظ هو المغلب لظهوره .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن توجد النية في بعض اللفظ وتعدم في بعضه ، إما أن توجد في أوله وتعدم في آخره ، أو توجد في آخره ، وتعدم في أوله ، مثل أن يقول لها : أنت بائن ، فينوي عند قوله : " أنت با " بترك النية عند قوله " ئن " ، أو يترك النية عند قوله : " أنت با " وينوي عند قوله " ئن " ، ففي وقوع الطلاق به وجهان لأصحابنا :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يقع اللفظ إذا اعتبرت فيه النية ، كان وجودها عند بعضها ، كعدمها في جميعه كالنية في تكبيرة الإحرام .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن الطلاق واقع ، لأن استصحاب النية في جميع ما يعتبر فيه النية ليس بلازم كالصلاة لا يلزم استصحاب النية في جميعها .

                                                                                                                                            والأصح عندي ، أن ينظر في النية فإن وجدت في أول اللفظ ، وقع به الطلاق ، وإن عدمت في آخره ، كالصلاة إذا وجدت النية في أولها ، جاز أن تعدم في آخرها ، وإن وجدت النية في آخر اللفظ وعدمت في أوله ، لم يقع له الطلاق ، كالنية في آخر الصلاة ، ولأن النية إذا انعقدت مع أول اللفظ ، كان باقيه راجعا إليها ، وإذا خلت من أوله صار لغوا وكان ما بقي منه مع النية ناقصا ، فخرج من كنايات الطلاق ، وهذا التفصيل أشبه بنص الشافعي ، لأنه قال : لم يكن طلاقا حتى يبتدأ ونيته الطلاق ، فاعتبرها في ابتداء اللفظ والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية