الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : ولو قال : والله لا أقربك إن شاء زيد ، فلا يعتبر الفور في مشيئة زيد ، بخلاف مشيئتها ، لأنه إذا علق ذلك بمشيئتها كان فيه تمليك فروعي فيه الفور ، وإذا علق بمشيئة غيرها لم يكن فيه تمليك ، فلم يراعى فيه الفور ، فمتى قال زيد قد شئت على الفور أو التراخي انعقد الإيلاء ، وإن قال لست أشأ لم ينعقد ، وإن مات ولم تعلم مشيئته لم ينعقد الإيلاء لأن الأصل أن لا مشيئة والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                            مسألة قال الشافعي رضي الله عنه : " والإيلاء في الغضب والرضا سواء لما يكون اليمين في الغضب والرضا سواء وقد أنزل الله تعالى الإيلاء مطلقا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : الإيلاء في الغضب والرضا سواء ، وبه قال أبو حنيفة .

                                                                                                                                            وقال مالك : لا يكون موليا إلا في الغضب دون الرضا وحكى نحوه عن علي وابن عباس رضي الله عنهما : لأن قصد الإضرار إنما يكون في الغضب ، فكان الغضب فيه شرطا ، وهذا فاسد لعموم قوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر [ البقرة : 226 ] ولم يفرق ، لأنها يمين بالله تعالى فاستوى فيها حال الغضب والرضا كسائر الأيمان ، ولأن كل حال انعقدت فيها اليمين في غير الإيلاء انعقدت فيها يمين الإيلاء كالغضب .

                                                                                                                                            فأما قصد الإضرار فلا يراعى فيها وإنما يراعى وجوده دون قصده ، وقد وجد في الرضا كوجوده في الغضب وإن لم يقصد .

                                                                                                                                            مسألة قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو قال والله لا أقربك حتى أخرجك من هذا البلد لم يكن موليا لأنه قد يقدر على أن يخرجها قبل انقضاء الأربعة الأشهر ولا يجبر على إخراجها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وقد ذكرنا هذه المسألة فيما تقدم من التقسيم فإذا حلف أن لا يقربها حتى يخرجها من البلد لم يكن موليا لأنه يقدر على إخراجها متى شاء ، ويقربها من غير حنث ، فصار كقوله : لا أقربك في هذه الدار ، فلا يكون موليا لأنه يقدر على إخراجها وإصابتها من غير حنث ، فإن قيل فهلا كان موليا وإن قدر على إخراجها كما لو حلف بعتق عبده أن لا يقربها كان موليا ، وإن قدر على بيع عبده فلا يعتق بوطئها ثم [ ص: 373 ] يبتاعه إن شاء ، قيل الظاهر من الأملاك اقتناؤها واستيفاؤها ، وفي بيعها ضرر ، وفي تمليك الغير لها أسف ، وفي استرجاعها تعذر ، فصار الضرر متوجها عليه في بيع العبد كتوجهه في عتقه ، وليس كذلك إخراجها من البلد ، لأنه لا ضرر عليه ، وربما كان فيه نزهة ، وفي إخراجها إلى ظاهر البلد ، فافترقا ، فلو قال لا أقربك حتى أخرجك إلى بلد كذا ، فإن كان البلد الذي حلف أن يخرجها إليه على مسافة أكثر من مسافة أربعة أشهر كان موليا ، وإن كان على أقل من ذلك لم يكن موليا ، فلو قال : لا أقربك حتى أهب عبدي كان موليا لأن في هبته إدخال ضرر عليه فصار كقوله لا أقربك حتى أعتق عبدي ، فاستويا في الضرر بزوال الملك ، وإن كانت الهبة أضر لعدم الثواب فيها ، ولو قال : والله لا أقربك حتى أبيع عبدي ففي إيلائه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون موليا لتعليق ذلك بزوال ملكه عنه ، فصار الضرر ببيعه داخلا عليه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يكون موليا ؟ لأن الثمن الذي في مقابلته يمنع من دخول ضرر عليه ، وربما وجد فيه أكثر من قيمته ، ولو قيل إن كان هذا العبد للتجارة لم يكن موليا لبيعه ، وإن كان للفيئة كان موليا ببيعه ، كان له وجه : لأن بيع مال التجارة مفيد ، وبيع مال الفيئة مضر ، فيكون ذلك وجها ثالثا - والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية