الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا قال : إن ولدت ولدا فأنت طالق ، ثم قال : إن ولدت ذكرا فأنت طالق فإن ولدت أنثى طلقت : لأنها ولد ، وإن ولدت ذكرا طلقت اثنتين ، واحدة بأنه ولد ، وثانية لأنه ذكر ، ومثله أن يقول : إن كلمت رجلا فأنت طالق ، وإن كلمت زيدا فأنت طالق ، فإذا كلمت زيدا طلقت اثنتين ، واحدة بأنه رجل وثانية بأنه زيد .

                                                                                                                                            فلو قال : إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة ، وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين ، فولدت ذكرا وأنثى فلهما أربعة أحوال :

                                                                                                                                            [ ص: 256 ] أحدها : أن تضعهما في حالة واحدة فتطلق ثلاثا واحدة بوضع الذكر واثنتان بوضع الأنثى وتعتد بالأقراء .

                                                                                                                                            والحالة الثانية : أن تلد الأنثى أولا ثم الذكر ، فتطلق ثنتين بالأنثى ، وتنقضي عدتها بالذكر ، ولا تطلق به .

                                                                                                                                            والحالة الثالثة : أن تلد الذكر أولا ثم الأنثى ، فتطلق بالذكر واحدة ، وتنقضي عدتها بالأنثى ، ولا تطلق بها .

                                                                                                                                            والحالة الرابعة : أن لا تعلم كيف ولدتهما فتطلق من أجله ، لأنها يقين ، لجواز أن تلد الذكر ثم الأنثى ، والطلاق يقع باليقين دون الشك ، ويختار له في الورع أن يلتزم الطلاق الثلاث لجواز أن تلدهما معا في حال واحدة ، ولا تنقضي عدتها بالأقراء : لأن العدة لا تنقضي إلا باليقين ، وقد يجوز أن تلدهما معا فتكون عدتها بالأقراء ، فلذلك ما التزمها .

                                                                                                                                            ولو قال : إن كان في بطنك ذكر فأنت طالق واحدة ، وإن كان في بطنك أنثى فأنت طالق ثنتين فولدت ذكرا وأنثى طلقت ثلاثا في الأحوال كلها لتقدم وقوعه على الولادة ، وانقضت عدتها بالأخير منهما ، تعليلا بما قدمناه ، فلو ولدت خنثى مشكلا طلقت به واحدة ، لأنه وإن أشكل عندنا فهو عند الله تعالى غير مشكل ، فأوقعنا به واحدة لأنها يقين .

                                                                                                                                            ولكن لو قال : إن ولدت ذكرا فأنت طالق ، فولدت خنثى لم تطلق : لجواز أن يكون أنثى ولو قال : إن ولدت أنثى فأنت طالق ، فولدت خنثى لم تطلق لجواز أن يكون ذكرا .

                                                                                                                                            ولو قال : إن كان ما في بطنك ذكرا فأنت طالق ، فولدت ذكرا وأنثى لم تطلق ، وهكذا لو ولدت ذكرين لم تطلق ، لأن شرط طلاقها أن يكون كل ما في بطنها ذكرا واحدا ، فإذا كان معه غيره عدم شرطه فلم يقع .

                                                                                                                                            ومثله أن يقول : إن كان كل ما في الكيس دراهم فأنت طالق ، فكان فيه دراهم ودنانير لم تطلق : لأنه لم يكن كل ما في الكيس دراهم ، ولو قال : إن كان في الكيس دراهم فأنت طالق فكان فيه دراهم ودنانير طلقت كذلك الحمل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية