الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو قال أجلني في الجماع لم أؤجله أكثر من يوم فإن جامع خرج من حكم الإيلاء وعليه الحنث في يمينه ولايبين أن أؤجله ثلاثا ولو قاله قائل كان مذهبا فإن طلق وإلا طلق عليه السلطان واحدة ( قال المزني ) رحمه الله تعالى قد قطع بأنه يجبر مكانه فإما أن يفيء وإما أن يطلق وهذا بالقياس أولى والتأقيت لا يجب إلا بخبر لازم وكذا قال في استتابة المرتد مكانه فإن تاب وإلا قتل فكان أصح من قوله ثلاثا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما إذا سأل الإنظار بالفيئة لعجزه عنها بالمرض فإنه يؤمر أن يفيء بلسانه فيء معذور على ما مضى ، فإذا سأل الإنظار بها بغير مرض فالمدة تنقسم في إنظاره ثلاثة أقسام ، قسم يجاب إليه ، وقسم لا يجاب إليه ، وقسم مختلف فيه .

                                                                                                                                            فأما القسم الذي يجاب إليه فهو أن يسأل إنظار يومه أو إنظار ليلته فهذا يجاب إلى ما سأل من إنظار يومه أو ليلته : ولأنه ربما كان جائعا فأمهل لأكله أو شبعا فأمهل لهضمه ، وما أشبه هذا فينظر له ليهدأ بدنه إلى وقت يعرف أنه زال ذلك العارض الذي يضطرب البدن له لأن الجماع يكون بأسباب محركة تختلف الناس فيها فأمهل لها .

                                                                                                                                            وأما القسم الثاني : الذي لا يجاب إليه فهو أن يسأل الإنظار أكثر من ثلاثة أيام فلا يجاب إلى ذلك لأن ما زاد على الثلاث في حده الكثرة ولأنه لو أجيب إلى ذلك لزادت مدة التربص على النص ، وصار باستنظاره أكثر من ثلاث كالممتنع من الفيئة على ما ذكرناه من القولين :

                                                                                                                                            أحدهما : يحبس حتى يفيء أو يطلق .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يطلق الحاكم عليه .

                                                                                                                                            فأما القسم الثالث المختلف فيه ، فهو إذا سأل إنظار ثلاثة أيام ففي إجابته إليها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجاب إليها لما فيها من الزيادة على مدة النص ولأنها تقتضي تأخير حق بعد الوجوب كالديون التي لا يلزم الإنظار بها مع القدرة عليها .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه يجاب إلى إنظار ثلاثة أيام لأنها حد بين القلة والكثرة ، فهي حد لأكثر القليل وأقل الكثير ، فلما نظر بالقليل جاز أن ينتهي إلى غاية حده ، ولأن الله تعالى قد أوعد بعذاب قريب أنظر فيه ثلاثا فقال الله تعالى : [ ص: 390 ] ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب [ هود : 64 - 65 ] فكان هذا الإنظار في الأحكام أولى منه في العذاب المحتوم ، وهكذا إذا استنظر العنين ثلاثا بعد السنة كان على هذين القولين ، وأصل القولين في هذا الموضع إنظار المرتد ثلاثا وفيه قولان ، ثم اختلف أصحابنا في إنظار الزوج ثلاثا على هذا القول ، هل هو واجب أو استحباب ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه واجب كإنظار المرتد بها فعلى هذا ينظر بها سواء استنظرها أم لا كالمرتد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو الأظهر واختاره الداركي أنها استحباب ينظر بها إن استنظرها ولا ينظر بها إن لم يستنظر ويؤخذ بتعجيل الفيئة أو الطلاق ، والفرق بين هذا والمرتد ، أن إنظار المرتد في حق الله تعالى ، فلم يقف على استنظاره ، وإنظار هذا في حقه ، فوقف على استنظاره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية