مسألة : قال الشافعي : " فإن فالطلاق لا يرد وهو كشيء اشتراه لها فقبضته واستهلكته فعليها قيمته ولا شيء على الوكيل إلا أن يكون ضمن ذلك له ( قال خلع عنها بما لا يجوز المزني ) رحمه الله ليس هذا عندي بشيء والخلع عنده كالبيع في أكثر معانيه وإذا باع الوكيل ما وكله به صاحبه بما لا يجوز من الثمن بطل البيع فكذلك لما طلقها عليه بما لا يجوز من البدل بطل الطلاق عنه كما بطل البيع عنه " .
قال الماوردي : وهذه المسألة مقصورة على وكالة الزوجة فإذا وكلت في الخلع عنها من يجوز أن يكون وكيلا لها فعلى ضربين :
أحدهما : أن تكون . الوكالة مطلقة
والثاني : أن تكون مقيدة .
فإن كانت الوكالة مطلقة فقالت له : خالع عني ، ولم تذكر له من المال جنسا ولا قدرا ، فعلى الوكيل أن يخالع عنها بمهر المثل حالا من غالب نقد البلد من الدراهم والدنانير التي هي أثمان وقيم دون العروض والسلع ، فيعتبر في إطلاقها جنسا ، وهو غالب نقد البلد ، وقدرا وهو مهر المثل ، كما يعتبر إطلاق الوكالة في الشراء أن يكون الثمن من غالب نقد البلد ، بثمن المثل ، والحلول في الموضعين معتبر ، وإذا كان كذلك لم يخل حال الوكيل من أحد قسمين :
أحدهما : أن يخالع عنها بما كان مأمورا به في إطلاق الوكالة من غير مجاوزة ، وهو مهر المثل حالا من غالب النقد ، فخلعه لازم للزوجة ، ومضمون عليها : وللوكيل في العقد ثلاثة أحوال
أحدها : أن يعقده على مال مضمون في ذمتها .
والحال الثانية : على مال مضمون في ذمته .
والحال الثالثة : أن يطلق فلا يشترط أن يكون في ذمتها ، ولا في ذمته ، فإن شرط أن يكون في ذمتها كان مضمونا عليها دون الوكيل ، وهل يكون الوكيل مأخوذا باستيفائه منها أم لا ؟ على وجهين : [ ص: 92 ] أحدهما : - وهو الظاهر من مذهب الشافعي - أنه غير مأخوذ باستيفائه منها ، لأن وكالته مقصورة على العقد دون غيره ، فعلى هذا لو جحدت وكالته لم يؤخذ الوكيل بالغرم وللزوج إحلافها دون الوكيل ، ويقع طلاقه بائنا ، إن أكذبها في الجحود ، ورجعيا إن صدقها عليه .
والوجه الثاني : - وهو الظاهر من قول أبي العباس بن سريج - أن الوكيل مأخوذ باستيفاء المال منها : لأنه من لوازم عقده ، فعلى هذا إن جحدته الوكالة لزمه حينئذ ذلك للزوج لجحودها له ، وكان له إحلاف الزوجة ووقع الطلاق بائنا سواء أكذبها الزوج على الجحود أو صدقها ، لأنه يصير إلى المال من جهة الوكيل ، وإن شرط الوكيل في العقد أن يكون المال في ذمته كان ضامنا بالعقد ، وهل تضمنه الزوجة بالعقد أم لا على وجهين ذكرهما أبو العباس بن سريج :
أحدهما : تكون ضامنة له بالعقد لأجل إذنها فيه ، فعلى هذا ليس للوكيل أن يطالبها بالمال قبل غرمه وإن أبرأه الزوج لم يرجع عليها ، وإن أخذ الزوج به عوضا من الوكيل رجع الوكيل عليها بالمسمى في العقد دون قيمة العوض .
والوجه الثاني : أنها لا تكون ضامنة له بالعقد لانقضاء حده في ذمة غيرها فعلى هذا ليس للوكيل أن يطالبها بالمال قبل غرمه وإن أبرأه الزوج لم يرجع عليها وإن أخذ الزوج به عوضا من الوكيل رجع عليها الوكيل بأقل الأمرين من قيمة العوض أو المسمى .
فأما فإنه يكون مضمونا على الوكيل في حق الزوج لإطلاقه بعقد قد تفرد به مضمونا على الزوجة في حق الوكيل ، لتقدم إذنها له بما أوجب ضمانه ، وهل يكون ضامنه في حق الزوج أم لا ؟ على وجهين ذكرهما إذا أطلق الوكيل العقد فلم يشترط في ذمتها ولا في ذمته ، ابن سريج :
أحدهما : يضمنه للزوج لنيابة الوكيل عنها فيه فعلى هذا يكون الزوج مخيرا بين مطالبتها ، ومطالبة الوكيل ، وليس للوكيل أن يرجع عليها بذلك قبل غرمه لارتهان ذمتها به في حق الزوج .
والوجه الثاني : أنها غير ضامنة له في حق الزوج ، لأنها لم تتول العقد ، ولا سميت فيه فعلى هذا للزوج مطالبة الوكيل وحده ، وليس له مطالبتها وللوكيل أن يستوفي ذلك منها قبل الغرم ، فهذا حكم الخلع عنها معجلا بمهر المثل من غالب نقد البلد وهذا الحكم لو خالع عنها بأقل من مهر المثل من غالب النقد لأنه إذا لزمها الخلع بمهر المثل كان بما دونه ألزم ، وهكذا بمهر المثل مؤجلا جاز ، ولزمها ، لأنه لما ألزمها بالمعجل كان بالمؤجل ألزم ، ولأن لها تعجيل المؤجل . [ ص: 93 ]