الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وهكذا أهل الحرب إلا أنا لا نحكم عليهم حتى يجتمعوا على الرضا ونحكم على الذميين إذا جاءانا أو أحدهما " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : لا فرق بين خلع الذميين وخلع المعاهدين فيما ذكرناه إذا ترافعا إلينا ، وإنما يختلفان في التزام أحكامنا فإن كانا معاهدين لم يؤخذا بالتزام أحكامنا ولا يلزمنا الحكم بينهما لأنهما من أهل دار لا تجري عليها أحكامنا ، وقد قال الله تعالى فيهم فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم [ المائدة : 42 ] ، فخيره الله تعالى في الحكم بينهم ، لأن أحكامه لا تلزمهم ، وإن كانا ذميين فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكونا على دين واحد كيهوديين أو نصرانيين ففي وجوب الحكم عليهم ثلاثة أقاويل مضت :

                                                                                                                                            أحدها : يجب على حاكمنا أن يحكم بينهم ، وعليهم إذا حكم أن يلتزموا حكمه لقول الله تعالى : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون [ التوبة : 29 ] ، والصغار أن تجري عليهم أحكام الإسلام ولأنهم في دار تنفذ فيها أحكامنا .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن حاكمنا بالخيار في الحكم بينهم وهم إذا حكم بينهم بالخيار في التزام حكمه كأهل العهد لاشتراكهما في الكفر ، وإقرارنا لهما جميعا عليه .

                                                                                                                                            والقول الثالث : أنه إن كان في حق لآدمي لزمنا أن نحكم بينهم ، وأخذوا جبرا بالتزامه ، لأن دارنا تمنع من التظالم ، وإن كان في حق الله تعالى كان حاكمنا مخيرا في الحكم بينهم ، وكانوا مخيرين في التزام حكمه لأن حق الله في كفرهم أعظم ، وقد أقروا عليه فكان ما سواه أولى ، وإذا كان هكذا فحق الخلع من الحقوق المشتركة بين [ ص: 109 ] حق الله تعالى في التحريم بالطلاق ، وبين حق الآدميين في استحقاق العوض ، فيكون في وجوب الحكم بينهما والتزامهما قولان .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكونا على دينين أحدهما يهودي ، والآخر نصراني ، فقد اختلف أصحابنا على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون كالدين الواحد ، لأن الكفر كله ملة واحدة ، فيكون لزوم الحكم بينهما على ما مضى من الأقاويل الثلاثة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنهما يتميزان باختلاف الدينين عن المتساويين فيه : لأنهما في التساوي متفقان على حكم دينهما ، فأقرا عليه ، وفى الاختلاف غير متفقين فوجب العدول بهما إلى دين الحق وهو الإسلام ، قطعا للتنازع في الباطل ، فعلى هذا يجب على الحاكم أن يحكم بينهما ويؤخذا جبرا بالتزام حكمه ، فأما إذا كان الحكم بين مسلم وبين ذمية أو معاهد فواجب على حاكمنا أن يحكم بينهما ويأخذها جبرا بالتزام حكمه سواء كان المسلم ظالما أو مظلوما لقول النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام يعلو ولا يعلى وقال صلى الله عليه وسلم انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال رجل يا رسول الله أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما قال ترده عن ظلمه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية