مسألة : قال الشافعي : " وقعت اثنتان في أي الحالين كانت والأخرى إذا صارت في الحال الأخرى قلت أنا أشبه بمذهبه عندي أن قوله بعضهن يحتمل واحدة فلا يقع غيرها أو اثنتين فلا يقع غيرهما أو من كل واحدة فيقع بذلك ثلاث فلما كان الشك كان القول قوله مع يمينه ما أراد ببعضهن في الحال الأولى إلا واحدة وبعضهن الباقي في الحال الثانية فالأقل يقين وما زاد شك وهو لا يستعمل الحكم بالشك في الطلاق " . ولو قال لامرأته أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة
قال الماوردي : وصورتها في رجل قال لامرأته : أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة ، فالبعض اسم مبهم يجوز أن يطلق على أقل الثلاث وعلى أكثرها ، وعلى العدد الصحيح منها والمكسور . فإذا جعل بعض الثلاث للسنة وبعضها للبدعة لم يخل حاله من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يقدر بلفظه .
والثاني : أن يقدر بنيته ، فإن أطلق ولم يقدر بلفظه ولا بنيته اقتضى إطلاق التسوية بين البعض وألا يفضل أحدهما على الآخر ، كما لو أقر بدار لرجلين كانت بينهما من غير تفضيل ، لأنه ليس تفضيل أحدهما بالزيادة بأولى من تفضيل الآخر . فلذلك وجب التسوية بينهما . وأن يكون كل واحد من البعضين طلقة ونصفا ، فيجعل البعض الواقع في الحال طلقة ونصفا . والطلاق لا يتبعض بل يكمل فوجب أن يقع في الحال طلقتان ، فإن كانت الحال الأولى حال السنة ، كانت الطلقتان للسنة ، ووقعت [ ص: 140 ] الثالثة للبدعة . وإن كانت الحال الأولى حال البدعة كانت الطلقتان للبدعة ، والطلقة الثالثة للسنة . وقال المزني : إطلاق التبعيض يقتضي تعجيل أقلهما ، فلا يقع في الحال الأولى إلا واحدة : لأن ذلك يقين والزيادة شك . وإذا اقترن بيقين الطلاق شك لم يعمل إلا على اليقين دون الشك وهذا خطأ : لأن التسوية بين البعضين في الإطلاق أولى من التفضيل لما ذكرنا ، وإن قدر كل واحد من البعضين بلفظ ، حمل على ما قدره بلفظه ، سواء عجل الأكثر فأوقع في الحال الأولى طلقتين ، وفي الحال الأخرى طلقة أو عجل الأقل فأوقع في الحال الأولى طلقة وفي الحال الأخرى طلقتين أو سوى بين الحالين فأوقع في الأولى طلقتين وفي الأخرى طلقة : لأن التقدير ملفوظ به كالطلاق فوجب أن يعمل عليه ، وإن قدر كل واحد من البعضين بنيته نظر فإن نوى بأعجل البعضين أكثرهما أو التسوية بينهما عمل على نيته فوقع في الحال الأولى طلقتان ، وفي الحال الثانية طلقة . وإن نوى بأعجل البعضين أقلهما ، وهو أن يقع في الحالة الأولى واحدة وفي الحال الثانية طلقتان ففيه وجهان :
أحدهما : وهو الظاهر من مذهب الشافعي أنه يقبل منه في الظاهر والباطن . ولا يقع في الحال الأولى إلا واحدة ويقع في الحال الأخرى طلقتان كما لو قدره بلفظه .
والوجه الثاني : وهو قول بعض أصحابنا : أنه لا يقبل منه في الظاهر ويلزمه في الحال طلقتان في ظاهر الحكم ويدين فيما بينه وبين الله تعالى كما لو قال : أنت طالق ثم قال بوقت إلى شهر وهذا خطأ والفرق بينهما أن البعض حقيقة وليس كذلك إطلاق الطلاق ، إذا نوى أن يكون إلى شهر ؛ لأن حقيقته تعجيل الطلاق فجاز ألا يحمل في الظاهر على نيته ، والله أعلم .