مسألة : قال الشافعي : " ( قال ) ولو لزمه ذلك " . قال لها أنت حرة يريد بها الطلاق ولأمته أنت طالق يريد العتق
قال الماوردي : وهذا صحيح ، أما إجماعا ، فإذا صريح العتق فهو كناية في الطلاق طلقت ، لأن عتق الأمة إطلاق من حبس الرق ، كما أن طلاق الزوجة إطلاق من حبس النكاح ، فتقارب معناهما ، وأما صريح الطلاق فهو كناية عندنا في العتق ، فإذا قال لأمته أنت طالق ، أو مسرحة أو مفارقة ، يريد عتقها عتقت ، وقال قال الرجل لامرأته ، أنت حرة أو أنت معتقة ، يريد طلاقها ، أبو حنيفة : لا تعتق ولا يكون صريح الطلاق كناية في العتق ، وإن كان صريح العتق كناية في الطلاق ، استدلالا بأن الطلاق يوجب التحريم ، وتحريم الأمة لا يوجب عتقها ، لأنه يملك من تحرم عليه بنسب أو رضاع ، ولا تعتق عليه ، ولا يشبه قوله لزوجته ، أنت حرة فتطلق ، لأن عتق الأمة [ ص: 165 ] تحريم ، وتحريم الزوجة موجب لزوال الملك عنها ، فجاز أن يكون طلاقا لها ، قال : ولأن كل لفظ كان صريحا في تحريم الحرائر لم يكن كناية في عتق الإماء كالظهار ، ولأن لفظ الطلاق أضعف حكما من لفظ الحرية ، لأنه مختص بإزالة الملك عن الاستمتاع ، والحرية تزيل الملك عن الرق والاستمتاع ، فجاز أن تكون الحرية كناية في الطلاق لقوتها ، ولم يجز أن يكون الطلاق كناية في العتق لضعفه ، كالبيع لما كان أقوى من الإجارة ، جاز أن تنعقد الإجارة بلفظ البيع ، ولم يجز أن ينعقد البيع بلفظ الإجارة .
ودليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم فكان على عمومه ، ولأن صريح ما يجري فيه النية أنه كناية ، في مثله كالعتق في الطلاق ، ولأن كل لفظ صح استعماله في الطلاق ، صح استعماله في العتق ، كقوله : لا سلطان لي عليك ، ولأن ما صح وقوع الطلاق به ، صح وقوع الحرية به ، كقوله أنت حرة ، ولأن صريح الطلاق أقوى من كنايته فلما وقعت الحرية بكناية الطلاق ، فأولى أن تقع بصريحه ، ولأنه لما كانت الحرية كناية في طلاق الحرة ، وهي صفتها في حال الزوجية ، فأولى أن يكون الطلاق كناية في عتق الأمة وليس من صفتها في حال الرق . إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى
فأما استدلاله بأن تحريم الطلاق لا ينافي بقاء الرق ، فالجواب عنه أن صريح الطلاق إنما كان كناية في العتق ، لأنه يتضمن الإطلاق من حبس العتق ، لا بما يتعلق به من التحريم ، وأما قياسهم على الظهار ، فالظهار عندنا كناية في العتق كالطلاق فسقط الاستدلال به ثم لو سلم لهم هذا الأصل - وليس بمسلم - لكان الفرق بينهما ، لأن الطلاق مزيل للملك مع التحريم ، فجاز أن تقع به الحرية ، والظهار مختص بالتحريم من غير أن يزول به الملك ، فلم تقع به الحرية . وأما استدلالهم بأن لفظ الطلاق أضعف من لفظ العتاق لاختصاصه بإزالة الاستمتاع عن المنفعة دون الرقبة ، فالجواب : أنه وإن ضعف عنه في الإماء فهو أقوى منه في الحرائر ، ثم لا ينكر أن يساويه في القوة إذا انضمت إليه النية كما تساويه كناية الطلاق التي هي أضعف من صريح الطلاق ، إذا انضمت إليه النية ، واستشهادهم بالبيع والإجارة ، فهم لا يجوزون عقد الإجارة بلفظ البيع ، كما لا يجوز عقد البيع بلفظ الإجارة وإن جاز عندنا ، والفرق بينهما أن لفظ البيع أعم من لفظ الإجارة ، فجاز أن يعقد الأخص باللفظ الأعم ، ولم يجز أن يعقد الأعم باللفظ الأخص والله أعلم .