مسألة : قال الشافعي : " ولو فقال ما أردت طلاقا لم يكن طلاقا إلا بأن يريده ولو أراد طلاقا فقالت قد اخترت نفسي سئلت فإن أرادت طلاقا فهو طلاق وإن لم ترده فليس بطلاق " . قال لامرأته اختاري أو أمرك بيدك فطلقت نفسها
قال الماوردي :
اعلم أن : للزوج في الطلاق ثلاثة أحوال
أحدها : أن يتولاه لنفسه مباشرا فيقع الطلاق بمباشرته .
والحال الثانية : أن يستنيب فيه وكيلا ، فيقوم الوكيل في الطلاق الذي استنابه فيه مقام نفسه على ما سنذكره .
والحال الثالثة : أن يفوضه إلى زوجته وهي مسألتنا فيكون ذلك تمليكا لها ولا يكون توكيلا واستنابة ، وهو جائز يصح به وقوع الفرقة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه ، فاخترنه فلولا أن لتخييرهن تأثيرا في الفرقة إن اخترنها ، ما كان لتخييرهن معنى ، وإذا كان كذلك لم يخل حال تفويضه الطلاق إلى زوجته من أربعة أقسام :
أحدها : أن يكون بصريح منهما . والثاني : بكناية منهما ، والثالث : بصريح منه وكناية منها ، والرابع : بكناية منه وصريح منها .
فأما القسم الأول : وهو أن يكون بصريح منهما جميعا فصورته : أن يقول لها طلقي نفسك فتقول : قد طلقت نفسي ، فقد وقع الطلاق بطلاقها لنفسها ، ولا يراعى من أصل الطلاق ووقوعه نية واحد منهما ، فأما عدد الطلاق فلهما فيه ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يذكراه .
والثانية : أن ينوياه .
والثالثة : أن يطلقاه ، فإن ذكراه فلهما فيه حالتان :
أحدهما : أن يتفقا عليه .
والثانية : أن يختلفا فيه ، فإن اتفقا عليه وقع العدد الذي اتفقا عليه كأنه أو قال لها : طلقي نفسك واحدة ، فطلقت نفسها واحدة ، أو قال لها : طلقي نفسك طلقتين ، فطلقت نفسها طلقتين ، وقع الثلاث أو ما اتفقا عليه من العدد ، وإن اختلفا فيه وقع أقل العددين . [ ص: 173 ] مثاله : أن قال لها : طلقي نفسك ثلاثا فقالت : قد طلقت نفسي ثلاثا فلا تطلق إلا واحدة ، ولو يقول لها : طلقي نفسك ثلاثا فتطلق نفسها واحدة لم تطلق إلا واحدة . قال لها : طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا
وقال أبو حنيفة : إن قال لها : طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة لم تطلق .
وقال مالك مثل هذا وأما إن نويا العدد ولم يذكراه حملا فيه على نيتهما ، فإن اتفقا في نية العدد فنويا طلقتين أو ثلاثا كان على ما نويا من العدد .
وقال أبو حنيفة : لا تأثير للنية في العدد ، وقد مضى الكلام معه ، فإن اختلفا في النية كان العدد محمولا على أقل الثنتين كما لو أظهراه قولا ، فإن كانت واحدة وإن لم يذكرا عددا ولا نوياه طلقت واحدة . نوى الزوج ثلاثا ونوت الزوجة واحدة