فصل : وأما الضرب الثالث : وهو ما يصح إظهاره ولا يصح إضماره ، فهو الاستثناء من العدد ، أو الشرط الواقع بحكم الطلاق ، فالاستثناء من العدد ، أن  يقول : أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين   والشرط الرافع لحكم الطلاق ، أن  يقول : أنت طالق إن شاء الله ،   فإن أظهره في لفظه متصلا بكلامه صح ، وكان محمولا عليه في الظاهر والباطن ، فلا يلزمه الطلاق إذا قال : إن شاء الله ويقع عليها طلقة واحدة ، إذا قال : أنت طالق      [ ص: 182 ] ثلاثا إلا اثنتين ، لأن بعض الكلام مرتبط ببعض ، فأوله موقوف على آخره ، وهو كلام لا ينقض بعضه بعضا ، فصح ولو لم يتلفظ بهذا الاستثناء بلسانه وأضمره بقلبه ونوى بقوله : أنت طالق أن يكون معلقا بمشيئة الله ، أو قال : أنت طالق ثلاثا ونوى الاثنتين ، لم يصح ما أضمره من الاستثناء بمشيئة الله ، ومن العدد ، ووقع الطلاق ثلاثا في الظاهر والباطن ، وإنما كان صحيحا مع الإظهار وباطلا مع الإضمار ، لأن حكم اللفظ أقوى من النية ، لأن الطلاق يقع بمجرد اللفظ من غير نية ، ولا يقع لمجرد النية من غير لفظ ، فإذا تعارضت النية واللفظ ، يغلب حكم اللفظ لقوته على حكم النية لضعفه ، فوقع الطلاق وبطل الاستثناء .  
فلو  قال وله أربع نسوة : أنتن طوالق ، واستثنى واحدة منهن   فعزلها من الطلاق صح استثناؤه من طلاقهن ، مظهرا ومضمرا ، فلا يقع طلاقها إن استثناها ظاهرا بلفظه لا في الظاهر ، ولا في الباطن ، ولا يقع طلاقها إن استثناها ، باطنا بنيته في الباطن ، وإن كان واقعا ، وإن كان واقعا في الظاهر ، ولكن لو  قال للأربع : أنتن يا أربع طوالق ، وأراد إلا واحدة   فإن استثناها بلفظه صح ، وإن عزلها بنيته لم يصح ، كالاستثناء من العدد لأنه قد صرح بذكر الأربع ، ولم يصرح بذكرهن فيما تقدم ، فلو  قال لزوجته : أنت طالق وأراد بقلبه الإشارة بالطلاق إلى إصبعه دون زوجته   لم يقبل منه في ظاهر الحكم ، واختلف أصحابنا هل يدين في باطن الحكم فيما بينه وبين الله تعالى أم لا ؟ على وجهين :  
أحدهما : يدين فيه لاحتماله .  
والثاني : وهو أصح : لا يدين فيه ، ويلزمه الطلاق في الظاهر والباطن جميعا لأمرين :  
أحدهما : أن الإصبع لا يتوجه إليها طلاق انفصال ، ولا طلاق تحريم .  
والثاني : أنه أوقع طلاقا على ألا يكون طلاقا فصار كقوله : أنت طالق إلا أنت ، والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					