الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثالث : وهو أن يدخل على الألفاظ السبعة ، لم الموضوعة للنفي ، فتنقسم أيضا قسمين : [ ص: 210 ] أحدهما : وهو خمسة ألفاظ تصير بدخول لم عليها ، موجبة للفور ، وإن كانت قبل دخولها موجبة للتراخي ، وهي متى ، ومتى ما ، وأي وقت ، وأي زمان ، وأي حين ، فإذا قال : متى لم تدخلي الدار ، فأنت طالق أو متى ما لم تدخلي الدار ، أو أي وقت لم تدخلي ، أو أي زمان لم تدخلي أو أي حين لم تدخلي الدار ، فأنت طالق فإنها تكون على الفور فمتى مر عليها بعد هذا القول زمان يمكن دخول الدار فيه فلم تدخل طلقت ، وإنما اختلف حكمها بدخول لم عليها : لأن إذا تجردت عن لم ، فالطلاق مشروط بوجود الصفة .

                                                                                                                                            ففي أي زمان وجدت وقع بها الطلاق ، فصارت على التراخي ، وإذا أدخل عليها لم الموضوعة للنفي ، صار الطلاق مشروطا بعدم الصفة ، وهي معدومة في أول زمان المكنة ، فلذلك صارت على الفور ووقع الطلاق .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : وهما للفظتان : إن وإذا ، إذا دخل عليهما لم الموضوعة للنفي ، فالذي نص عليه الشافعي ، ونقله المزني هاهنا ، أنه إذا قال : أنت طالق إذا لم أطلقك ، أو متى ما لم أطلقك فسكت مدة يمكنه فيها الطلاق ، طلقت فحصل ذلك على الفور ، ولو كان قال : إن لم أطلقك لم يحنث حتى يعلم أنه لا يطلقها بموته ، أو موتها فجعل ذلك على التراخي ، وفرق بين إذا وإن ، فلا وجه لتسوية أبي علي بن أبي هريرة بينهما ، لمخالفة النص وظهور الفرق .

                                                                                                                                            وأما أبو حنيفة : سوى بين إذا وإن ، في هذا الموضع في أنها على التراخي ، لا يقع طلاق الحنث إلا أن يفوت طلاق المباشرة بالموت فجعل حكم إذا عنده كحكم إن عندنا .

                                                                                                                                            وما قاله الشافعي من أن إذا في هذا الموضع على الفور وإن على التراخي . والفرق بينهما من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : وهو فرق أبي حامد المروزي أن إذا موضع لليقين والتحقيق وإن موضع للشك والتوهم لأنه يحسن أن يقال : إذا جاء يوم الجمعة جئتك ، ولا يحسن أن يقال :

                                                                                                                                            إن جاء يوم الجمعة جئتك : لأن مجيء يوم الجمعة يقين وليس بمشكوك فيه ، ويحسن أن يقال إن جاء المطر في يوم الجمعة أقمت ، ولا يحسن أن يقال : إذا جاء المطر في يوم الجمعة أقمت : لأن مجيء المطر فيه شك وتوهم ليس بيقين ، ولذلك قال : إذا الشمس كورت [ التكوير : 1 ] لأن تكويرها يقين ، فلما كان إذا مستعملا في اليقين والتحقيق ، فإذا مضى زمان المكنة ، استقر حكمه ، فصار على الفور ، ولما كان إن مستعملا في الشك والتوهم ، لم يستقر حكمه إلا بالفوات ، فصار على التراخي . [ ص: 211 ] والفرق الثاني : وهو فرق أبي القاسم الداركي : أن إذا مستعمل في الأوقات ، وإن مستعمل في الأفعال ألا ترى لو قال رجل : متى تأتني ، يحسن في جوابه ، أن تقول إذا شئت ، ومتى شئت ولم يحسن في الجواب أن تقول : إن شئت ، فإذا قال : إن لم أطلقك فأنت طالق ، كان على الفور : لأن وقت المكنة قد مضى .

                                                                                                                                            والفرق الثالث وهو فرق أبي الحسن الفرضي ، أن إذا اسم فكان أقوى عملا ، فلذلك كان على الفور ، وإن حرف فكان أضعف عملا ، فلذلك كان على التراخي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية