الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : في الفرق بين الطلاق بصفة وبين اليمين بالطلاق .

                                                                                                                                            والطلاق بالعقد أن يعلق طلاقها بشرط لا تقدر على دفعه ، كقوله : أنت طالق إذا طلعت الشمس أو إذا دخل رأس الشهر ، أو إذا قدم الحاج ، أو إذا جاء المطر ، أو إذا نعب الغراب أو إذا حضت ، أو إن ولدت ، أو إن شئت ، فهذا كله وما شاكله تعليق الطلاق بصفة فإذا قال : إن حلفت بطلاقك ، فأنت طالق ثم قال لها : إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ، أو إذا قدم الحاج فأنت طالق ، أو إذا جاء المطر فأنت طالق : لم يحنث ولم يلزمه الطلاق ، لأنه في هذه الأحوال مطلق بصفة وليس بحالف بالطلاق .

                                                                                                                                            وأما اليمين بالطلاق فهو ما منع بها من فعال ، وحث بها على فعل ، أو قصد تصديق نفسه ، أو غيره على شيء ، فالتي يمنع بها من فعل ، أن يقول : إن دخلت الدار فأنت طالق . [ ص: 218 ] والتي يحث بها على فعل ، أن يقول : إن لم تدخلي الدار فأنت طالق .

                                                                                                                                            والتي قصد بها التصديق على فعل ، أن يقول : إن لم أكن دخلت الدار ، فأنت طالق فهذا كله حلف بالطلاق ، فلو قال لها : إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ، إن دخلت الدار فأنت طالق ، حنث وطلقت منه : لأنه قد حلف بطلاقها ، فإن كانت غير مدخول بها لم تطلق بدخول الدار : لأنها قد بانت بالأولى ، وإن كانت مدخولا بها ، طلقت ثانية بدخولها ، فلو قال لها : إن دخل زيد الدار فأنت طالق ، فإن كان زيد ممن يطيعه ، ويمتنع من الدخول بقوله فهي يمين بالطلاق وإن كان زيد سلطانا أو ذا قدرة لا يطيعه ولا يمتنع من الدخول بقوله ، فهو طلاق بصفة ، وليس بيمين ، هذا مذهبنا ، وقالأبو حنيفة : كل هذا يمين كالطلاق ، إلا في ثلاثة أشياء ، أحدها أن يقول لها : أنت طالق إذا حضت ، أو أنت طالق إذا طهرت ، أو أنت طالق إذا شئت : لأن المقصود بقوله إذا حضت أو طهرت ، أن يوقعه للسنة والبدعة ، والمقصود بقوله إن شئت التمليك الذي يراعى فيه الرد والقبول . فأما إذا قال : إذا جاء رأس الشهر ، أو إذا طلعت الشمس ، فأنت طالق فإنها يمين بالطلاق ؟ لأنه تعليق طلاق بصفة ، فأشبه قوله : إن دخلت الدار . وهذا خطأ : لأن اليمين ما قصد بها المنع من شيء ، أو الحث على شيء ، أو التصديق على شيء ، وما خرج عن هذا فليس بيمين كقوله : إذا حضت أو طهرت .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية