مسألة : قال الشافعي : " وهي محرمة عليه تحريم المبتوتة حتى تراجع وطلق عبد الله بن عمر امرأته وكانت طريقه إلى المسجد على مسكنها فكان يسلك الطريق الأخرى كراهية أن يستأذن عليها حتى راجعها وقال عطاء لا يحل له منها شيء أراد ارتجاعها أو لم يرده ما لم يراجعها وقال عطاء وعبد الكريم لا يراها فضلا " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : - وهو أن يطلقها واحدة ، أو اثنتين بغير عوض ، وهي مدخول بها - محرمة عليه قبل الرجعة تحريم المبتوتة في الوطء والاستمتاع والنظر وبه قال المطلقة طلاقا رجعيا ، ابن عباس وعبد الله بن عمر وهو مذهب مالك وعطاء وأكثر الفقهاء .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : يحل له وطؤها والاستمتاع بها كالزوجة بل جعل وطأه لها رجعة .
[ ص: 309 ] والكلام في الرجعة بالوطء يأتي وهو مقصور في هذا الموضع على التحريم ، واستدل بقول الله تعالى : وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا [ البقرة : 228 ] فسماه بعلا دلالة على بقاء الزوجية بينهما وإباحة الاستمتاع ، والتبعل .
قال : ولأنه طلاق لا يقع به البينونة ، فوجب ألا يقع به التحريم كقوله : إن دخلت الدار فأنت طالق .
قال : وهذا القول أغلظ : لأنه ليس له إبطاله ، وله إبطال الطلاق الرجعي .
قال : ولأنها مدة مضروبة للترخيص لا تمنع من اللعان فوجب ألا تقتضي التحريم كمدة العدة والإيلاء .
قال : ولأنه لفظ يتضمن إسقاط حقه ، فإذا لم يزل به الملك لم يقع به التحريم كالبيع بشرط الخيار ، ولأن الطلاق الرجعي لو اقتضى التحريم في العدة لم يصح أن يراجع إلا بعقد مراضاة كالمنقضية العدة ، ولأنها لو حرمت عليه بالطلاق الرجعي لم يطأها ، ولما توارثا بالموت ولما وقع عليها طلاقه ، ولما صح منها ظهاره كالمبتوتة وفي ثبوت ذلك كله دليل على جواز استباحتها كالزوجة ودليلنا قوله تعالى : وبعولتهن أحق بردهن في ذلك : [ الطلاق : 2 ] فدل على خروجها بالطلاق حتى يردها بالرجعة ، ثم قال : إن أرادوا إصلاحا [ البقرة : 228 ] .
قال الشافعي : إصلاح الطلاق بالرجعة ، فدل على ثبوت الفساد قبل الرجعة وليس في تسميته بعلا دليل على رفع التحريم كالمحرمة والحائض ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر فدل على أنه قبل الرجعة لا يجوز أن يمسكها ولذلك كان مره فليراجعها ثم ليمسكها ابن عمر لا يمر على مسكنها قبل الرجعة حتى راجع ، ولأنها معتبرة فوجب أن تكون محرمة كالبائن .
ولأنه طلاق يمنع من السفر بها ، فوجب أن يمنع من الاستمتاع بها كالمختلعة .
ولأن كل معنى أوقع الفرقة أوقع التحريم كالفسخ .
ولأن حكم الطلاق مضاد لحكم النكاح فلما كان كل نكاح إذا صح أوجب الإباحة وجب أن يكون كل طلاق إذا وقع أوجب التحريم .
فأما الآية فقد جعلناها دليلا .
وأما الجواب عن قياسه على قوله إن دخلت الدار فأنت طالق فهو أن الطلاق لم يقع عليها فلم تحرم عليه ، ألا تراه لو طلقها بدخول الدار ثلاثا لم تحرم عليه قبل دخولها : لعدم وقوعها وهذه قد وقع الطلاق عليها فثبت تحريمها كالبائن بثلاث أو دونها . [ ص: 310 ] وأما قياسهم على مدة الإيلاء والعنة فالمعنى فيها أنها مدة لم تقع بها الفرقة ومدة العدة قد وقعت بها الفرقة .
وأما قياسهم على البيع في مدة الخيار .
فالجواب عنه أن الملك لم ينتقل إلا بانقضائه على أصح أقاويله ولأن فسخ البيع قد رفعه ، والرجعة لا ترفع الطلاق وإنما ترفع حكمه ، ولا حكم له إلا التحريم ، فدل على ثبوته .
وأما استدلالهم أن ما تفرد باستصلاح ولم يفتقر إلى عقد مراضاة لم يوجب التحريم فباطل بالزوجين الحرين إذا أسلم أحدهما كان التحريم واقعا ، وإن ارتفع بإسلام المتأخر منهما .
وأما استدلالهم بأن ما أوجب التحريم منع الإرث ، وأوجب الحد فباطل بالحيض والإحرام والظهار .